متلازمة المكتب

لم يعد أحد يقرأ المطولات وخارت قوى الصبر حتى استوطن الملل جغرافية التحمل، ولا جرم أن السرعة صفة بشرية منذ أن خلق الله الإنسان على هذه الأرض بوصفه كائنا عجولا، لا يطيق مع الإطالة صبرا. ولنا في مطولات "واتساب" عبرة لمن ألقى البال وتأمل حال الأخبار التي استجابت لهذه الإرادة الشعبية، وأخذت صفة "المانشيت" المختصر الموجز، وكفى.
ومن الحق القول إنه كلما طال الأمر أصبح مملا، حتى الراحة حينما تطول تضطرب النفس منها. وحسنا فعلت وزارة التعليم بسن الإجازات القصيرة الموزعة على باقي أشهر العام، لتنهي قصة المغادرة الجماعية للموظفين وقت الإجازات الطويلة، وصارت الإجازة حاليا أشهى للنفس من ذي قبل، وألذ للتخطيط للاستفادة القصوى.
الإجازة الفاعلة هي تلك القادرة على منح معاني الراحة والاستجمام والتغيير وكسر روتين العمل، عكس المفهوم السائد نحو حشر الإجازات إلى نهاية العام، ويتحول الهدف الممتع من الإجازة إلى تحصيل حاصل لتصفية رصيد الإجازات، بل أن تعود منها فعلا براحة نفسية أكبر وطاقة أعلى، وهنا وجد استطلاع أمريكي حديث أن 28 في المائة من الأشخاص عملوا أثناء إجازتهم بأكثر مما خططوا له.
التخطيط للأشياء الصغيرة والصغيرة جدا يجعل الحياة منتظمة بشكل أفضل. إن قرار الإجازة يبدأ من الشخص ذاته الذي يستطيع أن يتحكم أولا في اختراقات التقنية، فعندما تقرر الإجازة فإن المجتمع المحيط بك لن يكون مدركا لذلك، فمن المتوقع أن تتلقى اتصالات ورسائل "واتساب" وإيميل ومهام وهلم جرا، وحينما يستجاب لتلك الاختراقات فإن الشخص سيقع فريسة لما كان يتوخى منه.
التحكم في المهام أمر في غاية الأهمية، ويبدأ بجدولة المهام المتراكمة لتحقيق الاستفادة القصوى، وحينما تأتي بلا تخطيط فإن وبالها أشد، والحزم في التعامل مع الاختراقات ضرورة، ولا يمنع من التلميح والتصريح بعدم حماستك للتواصل بشأن العمل أثناء الإجازة للأصدقاء والزملاء والمديرين.
البعض مصاب بما أستطيع أن أسميه "متلازمة المكتب"، أي أن شخصا لا يستطيع التوقف عن العمل في إجازته، والمخرج في هذه الحالة محاولة دمج بعض الأنشطة مثل السفر والتنزه في البرية والمهام المؤجلة والأعمال المنزلية مع مهام العمل، بعيدا عن محاولات إيجاد عزلة تامة عن العمل والوظيفة، لأننا لا نريد الوصول إلى مرحلة الصراع النفسي الناشئ عن القلق القهري من تراكم المهام، أو تأثر العمل بالغياب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي