ابتكار تقنية الأقمار الاصطناعية ودورها الدفاعي
تعد الابتكارات الإلكترونية ومنها تقنيات الأقمار الاصطناعية من أهم الابتكارات الحديثة التي أحدثت الطفرة التكنولوجية الحديثة والمتطورة بشكل سريع جدا والتي نشاهدها ونلمس أثرها بشكل يومي في عالمنا الحاضر، وأصبح لها تأثير قوي في حياة البشر الاجتماعية ومستقبل تقدم الدول الاقتصادي والريادي، ولذا سيكون مقالنا اليوم مقالا تعريفيا بهذا التقنية النوعية التي كان لها الأثر الواضح والفعال في تغيير معظم النواحي الحياتية، وكيف كان لها الدور البارز في التأثير في دول العالم، خصوصا في المجالات الدفاعية منها والاقتصادية، وكيفية استغلال مثل هذه التقنيات في ضوء التحول الكبير الذي نشاهده اليوم في ظل رؤية مملكتنا الحبيبة 2030 وتوجيهات قيادتنا الحكيمة.
بشكل عام الأقمار الاصطناعية Satellites هي عبارة عن منظومة متكاملة من أجهزة إلكترونية يتم إطلاقها بوساطة صواريخ لتدور بمسارات معينة حول الأرض، وهذه المسارات تنقسم إلى ثلاثة أنواع حسب معدل الارتفاع، فهنالك المدار الأرضي المنخفض Low Earth Orbit: LEO بارتفاع عن الأرض بين 180 كيلومترا و2000 كيلومتر والمدار الأرضي المتوسط Medium Earth Orbit: MEO ارتفاعه أعلى 2000 كيلومتر وأقل من 35780 كيلومترا والمدار الأرضي المرتفع High Earth Orbit: HEO بارتفاع أكبر من 35780 كيلومترا. وبدأت الأبحاث العلمية في تقنيات الأقمار الاصطناعية من عام 1903، وكان أول إطلاق لقمر اصطناعي في عام 1957 باسم سبوتنيك Sputnik للاتحاد السوفياتي "روسيا"، وكان من تصميم المهندس الروسي سيرجي بافلوفيتش كوروليوف Sergei Pavlovich Korolev، كبير مصممي الصواريخ في تلك الفترة، حيث كان القمر المصمم بوزن نحو 85 كيلوجراما، وعرض 58 سم ويعتمد على مصدر طاقة مكون من ثلاث بطاريات، وعدد أربع هوائيات إرسال، وكان دوران هذا القمر حول الأرض بالمدار المنخفض لمدة تقارب 96 دقيقة لإكمال دورة واحدة واستمر في مداره لمدة ثلاثة أشهر فقط، وعلى اختلاف أنواع هذه التقنيات للأقمار الاصطناعية وأشكالها واستخداماتها إلا أنها تشترك في مكوناتها الأساسية حيث تشمل الهوائيات Antennas، وهي عبارة عن أجهزة لإرسال واستقبال الإشارات من القمر الاصطناعي إلى الأرض وبالعكس، وأجهزة التزويد بالطاقة التي تكون في الأغلب خلايا شمسية وبطاريات احتياطية وأجهزة المعالجة الخاصة بالبيانات وأجهزة التحكم.
وتنوعت استخدامات وتطبيقات تقنيات الأقمار الاصطناعية، سواء في المجالات العلمية أو الاقتصادية أو الدفاعية، وأصبحت تلعب دورا كبيرا وأساسيا مؤثرا في المجتمع بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ولعل أكبر تأثير نشعر به اليوم ما تلعبه هذه الابتكارات من الأقمار، خصوصا تلك الخاصة بالاتصالات من دور فعال في نقل الاتصالات اللاسلكية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وجميع وسائل الاتصالات بشتى أنواعها، ومن أنواع هذه الأقمار كذلك تلك الخاصة بالاستشعار عن بعد وتحديد المواقع الجغرافية ودراسة الطقس والفلك. ولأهمية مثل هذا النوع من الابتكارات النوعية، أصبح امتلاكها ميدانا للسباق والتحدي بين الدول في التنافس على السيطرة وفرض النفوذ، ومنها روسيا والولايات المتحدة والصين والهند وكوريا الشمالية والمملكة المتحدة وفرنسا واليابان وأوكرانيا وغيرها، حيث بلغ عدد الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار المنخفض 7200 قمر اصطناعي نشط، وذلك حسب ما ورد في الإحصائيات لعام 2021 التي نشرها مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي The United Nations Office for Outer Space Affairs: UNOOSA. وأصبحت الدول تتنافس في عالم ابتكارات الأقمار الاصطناعية، فأصبحت هنالك وكالات فضاء متعددة على غرار وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" The National Aeronautics and Space Administration: NASA ووكالة الفضاء الفيدرالية الروسية، وإدارة الفضاء الوطنية الصينية China National Space Administration: CNSA، مثل تلك التي أنشئت أخيرا في أستراليا تحت مسمى وكالة الفضاء الأسترالية The Australian Space Agency: ASA التي تم تأسيسها في 2018، مع امتلاكها بعض الأقمار الاصطناعية الخاصة بها إلا أنها تعتمد على دول أخرى في عملية إطلاق تلك الأقمار وتعتمد في الحصول على بعض بياناتها من شرائها من دول أخرى كذلك.
ولا شك أن لهذه التقنيات النوعية من الأقمار الاصطناعية دورا فعالا في المجال الدفاعي بين الدول، خصوصا تلك الدول الصناعية العظمى، فالولايات المتحدة تمتلك وحدها 123 قمرا اصطناعيا في هذا المجال، وروسيا تمتلك 74 قمرا اصطناعيا، إضافة إلى الصين التي تمتلك 68 قمرا اصطناعيا، وتعددت أنواع استخدامات هذه التقنيات في المجالات الأمنية والدفاعية لتشمل الاتصالات العسكرية اللاسلكية وغيرها وما يتضمن ذلك من حمايتها وتشفيرها إضافة إلى إمكانية ربط مراكز التحكم والسيطرة في مناطق القتال بمسرح العمليات بشكل مباشر من خلال التصوير الفضائي، إضافة إلى استخدامها في الإنذار المبكر والتجسس والاستطلاع الإلكتروني وعمليات الدفاع الجوية التي تشمل توجيه الصواريخ الذكية والطائرات المقاتلة وطائرات دون طيار وغيرها.
ولم تغب أهمية مثل هذه الابتكارات النوعية عن القيادة الرشيدة لهذا البلد المعطاء، فكانت هنالك الشراكات والتعاون الدولي في مجال الأقمار الاصطناعية مثل تلك التي تمت مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" ووكالة الفضاء الصينية وغيرها، وبدأت نتائج ذلك الاهتمام تظهر حين أعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إطلاق أول قمر سعودي عام 2000 بمسمى "سعودي سات" وبلغ عدد الأقمار الاصطناعية التي تم إطلاقها حتى عام 2021، 17 قمرا اصطناعيا لتوفير عدد من الخدمات، مثل نقل البيانات والتصوير الفضائي والاتصالات والاستكشاف والاستطلاع وغيرها من مهام، ما جعلنا نحتل المركز الأول بين جميع الدول العربية، ولعل من الأهمية الإشارة إلى الإسراع في وجود دور موحد وتكاملي يجمع بين المراكز البحثية الوطنية وهيئة تنمية البحث العلمي والابتكار والهيئة العامة لتطوير الدفاع والهيئة السعودية للفضاء، ما سيساعد على استقلالية وامتلاك مثل هذه الابتكارات النوعية وتطويرها وتصنيعها وتوطينها بالكامل، ما سيكون له الأثر الإيجابي في تطوير القوة الدفاعية، ومن الناحية الاقتصادية بتحقيقه عوائد استثمارية كبيرة وريادية مستدامة، كذلك تركيز وزارة التعليم على وجود مقررات دراسية محدثة عن دور الأقمار الاصطناعية في ريادة الابتكار، وكذلك حث ودعم شركات التصنيع لتبني دور مباشر في مجال تصنيع هذه الصناعة وتطويرها.