خوض آخر حروب التضخم «2 من 2»

الآن عاد التضخم ليرتفع مجددا، وقد تكشف لنا أنه عندما يزيد الطلب بوتيرة أسرع من العرض، تكون النتيجة التضخم، تماما كما تقول الكتب. لكن مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بدافع من رغبته في عدم تكرار الخطأ الذي ارتكبه في 2018، لم يقدر مخاطر التضخم في 2021 حق قدرها.
في 2020، تسببت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19 في ركود حاد، قبل أن تقود برامج التحفيز النقدي والمالي الضخمة التي طبقتها الولايات المتحدة، إلى التعافي السريع اللاحق. وظل التضخم غائبا لأن صدمة الطلب السلبية الناشئة عن الجائحة، كما قد تخبرنا الكتب في استنتاجاتها، لا بد أنها كانت أكبر من صدمة العرض السلبية في البداية، قبل تفعيل برامج التحفيز.
لكن الأمر لا يخلو من تفسير آخر أقل تقليدية يجافي النظرة العامة. عندما يقع ظرف طارئ أو تحل كارثة، فتسبب تهافتا على نوع من البضائع، وليكن ورق التواليت مثلا، يرى الاقتصاديون فقط أن أفضل طريقة للتعامل مع الأمر رفع الأسعار قبل أن يختفي المخزون التجاري من البضاعة، بينما ينظر المستهلكون وتجار التجزئة وشركات تصنيع ورق التواليت إلى ذلك بصورة أعمق، فيرونه "تلاعبا بالأسعار"، ومن ثم يعبرون عن رفضهم الأخلاقي لرفع السعر، لذا تظل الأسعار دون تغيير. لكن عندما تنفرج ظروف الأزمة لاحقا، قد يرفع المصنعون وتجار التجزئة أسعارهم دون أن يجلبوا لأنفسهم الاحتقار الذي كان لينالهم لو فعلوا ذلك في أوقات الأزمة، خاصة عند ارتفاع التكلفة. فرغم النقص المعروف للجميع في ورق التواليت في 2020، لم يرتفع سعره حتى 2021.
إذا ثبت صدق هذه الفرضية بأي قدر، فربما شكلت بعض محاولات "التعويض" من جانب الشركات جزءا من أسباب التضخم الأخير في الولايات المتحدة البالغ 7 في المائة. في تلك الحالة، قد تنكسر حدة التضخم خلال العام المقبل.
على أي حال، ينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يرفع إناء البنش الآن، إذ لا يمثل ارتفاع التضخم الدليل الوحيد على فرط نشاط الاقتصاد الأمريكي، فالناتج المحلي الإجمالي ينمو بوتيرة سريعة وسوق العمل صارت ضيقة محكمة.
لقد أنهى الاحتياطي الفيدرالي تقريبا العمل بسياسة التيسير الكمي، التي أفضت إلى توسيع ميزانيته العمومية بصورة ضخمة. لكن إزاحة وعاء البنش تعني أيضا رفع أسعار الفائدة، حيث يتوقع أن يشرع المجلس في رفعها في آذار (مارس)، وأن يبدأ بالتخلص من الأصول غير التقليدية، ولا سيما السندات المدعومة بالرهن العقاري، التي كدسها الاحتياطي الفيدرالي على ميزانيته العمومية. وشرع بنك إنجلترا بالفعل في بيع بعض السندات التي يمتلكها، بما في ذلك ديون الشركات.
في الوقت ذاته، ربما لا يزال البنك المركزي الأوروبي منخرطا في الحرب الأخيرة. فعلى العكس من الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا، لم يشرع "المركزي الأوروبي" بعد في تقليص نطاق سياسته للتيسير الكمي، فضلا عن رفع أسعار الفائدة، التي لا تزال سالب 0.5 في المائة. وربما يحاول تفادي تكرار أخطائه في الفترة بين 2008 و2011، عندما أخفق في استدامة برنامج التحفيز في أعقاب الأزمة المالية العالمية. "لكن لا ننكر أن النمو في أوروبا لم يكن على القدر ذاته من القوة الذي كان عليه في الولايات المتحدة".
ينبع النزوع لخوض الحرب الأخيرة من الطبيعة البشرية. وكانت الأحداث الأخيرة الأكثر أهمية وتأثيرا في تشكيل إدراك الناس الكيفية التي يعمل بها العالم. بوسع مسؤولي البنوك المركزية تبرير التركيز بصورة أكبر على تلك التطورات بالإشارة إلى التغيرات السريعة والجوهرية في التكنولوجيا والمجتمع، لكن، كما يدرك هؤلاء المسؤولون الآن، تزودنا النظرة التاريخية الأبعد أمدا بالحكمة المستمدة من مجموعة أكثر تنوعا من الأحوال والظروف.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي