الابتكارات النوعية في صناعة الدفاع والأمن المستقبلية

في مقال سابق تحدثت عن كيفية تعزيز القدرات الدفاعية من خلال الابتكارات النوعية والتقنيات وتصنيعها، وكيف أن الدول العظمى، مثل الولايات المتحدة وغيرها، تعمل بخطط استراتيجية واستباقية وبتركيز واضح على الابتكارات والتقنيات النوعية، وذلك من خلال مراكزها البحثية المتطورة ومن خلال وحداتها الخاصة بالابتكارات الدفاعية Defense Innovation Unit Experimental، وسيكون حديث مقال اليوم عن نوع من أنواع الابتكارات النوعية التي لها أثر كبير من حيث طبيعة الاستخدام، وتلعب دورا أساسيا في المنظومة الدفاعية والأمنية سواء كانت البرية أو البحرية أو الجوية. وسأتناول جزءا بسيطا من هذا النوع، الذي يمثل أحد عناصر تكامل المنظومة التقنية التي تتكامل مع عدد من الأنظمة الأخرى، مثل أنظمة المراقبة والاستطلاع والاسكتشاف، وتشمل عددا كبيرا من الحساسات والأنظمة الإلكترونية. هذا النوع هو أنظمة الكاميرات الإلكترونية بأنواعها المختلفة ذات الدقة العالية، وهنا سنتعرف على بعض من مكوناتها بشكل عام وكيفية استخدامها والأثر الذي تلعبه في المنظومة الدفاعية والأمنية، إضافة إلى المستقبل الواعد والبعد الاقتصادي من ناحية امتلاكها وتطويرها وتصنيعها.
تتطور التقنيات والابتكارات والتكنولوجيا بشكل عام مع مرور الزمن وحسب الحاجة والأهمية، ولا شك أن للعلماء البارزين دورا في تطويرها، فعند الحديث عن الكاميرات لا بد من التطرق إلى علم مهم من العلوم وهو علم البصريات، ويعد العالم الحسن بن الهيثم هو رائد هذا العلم، بل أصبحت نظرياته وقواعده التي توصل إليها في هذا المجال مرجعا للباحثين والعلماء بشكل عام، وفي الكاميرات بشكل خاص. وتوالى المخترعون يطورونها أمثال المخترع الفرنسي جوزيف نيبس Joseph Niepce، والعالم الألماني فريدريك سكوت Frederick Scott، والعالم الفرنسي أندريا أدولف Andrea Adolphe، والعالم الفيزيائي الاسكتلندي جيمس ماكسويل James Maxwell، وهذا الأخير هو من أنتج أول صورة ملونة، وذلك في 1861، وغيرهم من الباحثين والعلماء والمطورين الكثر في هذا المجال ولا يمكن حصرهم في مقال واحد، وهم الذين أسهموا في تطوير هذه التقنيات إلى أن خرجت من كونها أداءة للتصوير الفوتوغرافي وتوثيقا للأحداث اليومية، إلى تقنية أحدثت نقلة نوعية لكثير من المجالات، خاصة عند استخدامها في المنظومة الأمنية والدفاعية بأنواعها وأشكالها المختلفة، وأصبح لها أنواع عدة، منها الصغيرة جدا والرقمية ويمكن دمجها مع كثير من الأجهزة، وأصبحت في الهواتف الذكية والسيارات والمنازل والأماكن الحساسة للمراقبة والتحكم، إلا أنها تختلف من ناحية الدقة والوضوح والحساسية، ومنها كذلك الكاميرات قريبة المدى وبعيدة المدى، الليلية والحرارية، المحمولة والثابتة والمتنقلة على عربات أو طائرات. وتعددت استخداماتها، فمنها ما يستخدم في الأعمال الاستخبارية والتجسس، ومنها ما يستخدم في المراقبة سواء البرية أوالبحرية أوالجوية.
ولعل من الابتكارات النوعية، وعلى اختلاف سياق الكاميرات المتعارف عليها التي تستخدم الضوء لتكوين الصور، الكاميرا الحرارية التي تتكون من عدسة، ومستشعر حراري، ومعالج إلكترونيات، وغطاء ميكانيكي، وتستخدم الأشعة تحت الحمراء لإنشاء الصور، كجزء من الإشعاع الكهرومغناطيسي، حيث تشتمل طاقة الأشعة تحت الحمراء على أشعة جاما، وقليل من الضوء المرئي، والأشعة السينية، وموجات الراديو، والأشعة فوق البنفسجية، والموجات الدقيقة، في حين أن كل هذه الأشكال من الأشعة مرتبطة ببعضها بعضا، إلا أنها تختلف في أطوال موجاتها، يصدر كل جسم تراه شكلا من أشكال الطاقة اعتمادا على درجة حرارته. إذا كانت درجة حرارة الجسم على مستوى أعلى، فإن إشعاع الأشعة تحت الحمراء الخاص به يكون أيضا أكثر أهمية، وتستخدم البيانات لإنشاء صور من خلال مخرجات الفيديو الرقمية أو التناظرية. وتكتسب هذه التقنية أهميتها من تعدد استخداماتها في كثير من مناحي الحياة، ولذا نجد أن هناك كثيرا من الشركات تسعى بكل طاقاتها إلى تطوير مثل هذه التقنيات النوعية، ومن أهم الشركات العالمية التي تقوم على تطوير وتصنيع هذا النوع المهم في القطاع الدفاعي والأمني من الكاميرات، شركة إل 3 تكنولوجي L3 Technologies، وشركة ليوناردو Leonardo، وشركة أنظمة بي أيه إي BAE Systems، وشركة زينيكس Xenics، وشركة اتصالات أكسيس Axis Communications، وشركة أنظمة فلير FLIR Systems، سوفرادير Sofradir وغيرها. ومن الناحية الاقتصادية، فإن تصنيع هذه التقنيات في نمو مستمر حسبما أشار إليه عديد من التقارير في هذا الجانب، وبنسبة مركبة تقارب 10 في المائة في الأعوام المقبلة.
ولا شك أن الدولة - رعاها الله - في ظل القيادة الرشيدة، أولت هذا الجانب من الابتكارات النوعية اهتماما واضحا، من خلال وضع الاستراتيجيات والخطط الطموحة لذلك من خلال الهيئات والمراكز البحثية الخاصة بالابتكار والتطوير الدفاعي. ولقد لامسنا أخيرا ذلك من خلال إقامة المعرض العالمي للدفاع، الذي تقررت إقامته كل عامين، وكانت نسخته الأولى قد عقدت في الرياض لمدة أربعة أيام بدأت من الرابع إلى التاسع آذار (مارس) 2022، برعاية ملكية كريمة، وبتنظيم الهيئة العامة للصناعات العسكرية، وتمحور موضوع هذا المعرض حول مستقبل الصناعات الدفاعية، واستعراض الأنظمة المتكاملة في مجالي الأمن والدفاع، وهدفه توطين الصناعات والتقنيات والابتكارات النوعية بمختلف أنواعها التي تشمل خمسة قطاعات: البرية والبحرية والجوية وأمن المعلومات والأقمار الاصطناعية، والجميل في مثل هذا النوع من اللقاءات والمعارض والمؤتمرات التي تقام، أنها تتيح التعرف على آخر ما تم التوصل إليه من تقنيات حديثة وابتكارات متطورة، فعلى سبيل المثال، في هذا المعرض العالمي شاركت 42 دولة و600 جهة عارضة من بينها شركات عالمية وإقليمية ومحلية، وأثمر عن ذلك توقيع عدد من الاتفاقيات التعاونية في مجال الأبحاث الدفاعية والأمنية، إضافة إلى إبرام عقود دفاعية وأمنية بقيمة إجمالية 29 مليارا و700 مليون ريال، كل ذلك بهدف توطين التقنيات والابتكارات المتطورة في مجالات التصنيع الدفاعي. ولعل تضافر جهود الجهات ذات العلاقة، من مراكز بحثية وطنية وهيئات خاصة بالبحث والابتكار وتلك الخاصة بتطوير الدفاع والصناعات العسكرية، سيرسم مستقبلا واعدا للصناعات الدفاعية والأمنية من خلال الابتكار والتقنيات النوعية في ظل الدعم اللامحدود لهذا الجانب.. وسنتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل في المقالات المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي