كيف يمكن للصين إنهاء الحرب في أوكرانيا؟
أثار المقال الأخير لستيفن س. روش، عضو هيئة تدريس في جامعة ييل والرئيس السابق لـ"مورجان ستانلي" آسيا بعنوان "فقط الصين من تستطيع إيقاف روسيا"، حججا قوية، أدلى بها طرفا النقاش المتزايد بشأن الحرب المروعة في أوكرانيا. إذ رغم أن معظم الدول الغربية تدرك ضرورة اتخاذ إجراءات غير عادية في الأوقات غير العادية، وتتفق على أن للصين دورا مهما تطلع به في حل النزاع، إلا أن المتعاطفين مع مخاوف روسيا بشأن أمن حدودها وتوسع "الناتو"، يقولون إن "الصين ليس لديها سبب يدعوها إلى التدخل". لكن كلا الطرفين طرح السؤال الاستتباعي الواضح والمهم: ما الذي يمكن أن تفعله الصين بالضبط لإعادة السلام والاستقرار إلى أوكرانيا؟ وهنا يجيب روش مؤلف كتاب "شفرة أمريكا والصين والنزاع العرضي المقبل" (2014). يمكن للصين أن تأخذ زمام المبادرة في ثلاثة مجالات رئيسة، فبادئ ذي بدء، ينبغي للرئيس الصيني، شي جين بينج، أن يدعو إلى عقد قمة طارئة تجمع بين قادة مجموعة العشرين، وتركز على تطبيق وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في هذا الصراع، ووضع أجندة للسلام عن طريق التفاوض. إذ تعد مجموعة العشرين الآن المنتدى المعترف به لاتخاذ تدابير عالمية في خضم الأزمات، حيث حشدت دعم الاقتصادات الرائدة في العالم في أواخر 2008 للاستجابة المنسقة للأزمة المالية العالمية. وتحظى كل من الصين وروسيا بالعضوية في المنتدى، لذا يمكن لمجموعة العشرين أن تطلع بدور مشابه اليوم. ولكي يظهر شي التزامه الشخصي ببذل هذا الجهد، يجب أن يكسر بروتوكول الإغلاق بعد الوباء "لم يغادر الصين منذ 24 شهرا"، وأن يحضر الاجتماع شخصيا، شأنه في ذلك شأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ثانيا، يمكن للصين أن تسهم بقدر كبير في المساعدة الإنسانية، إذ بما أن الأطفال يشكلون ما لا يقل عن نصف اللاجئين من أوكرانيا الذين يتجاوز عددهم مليوني لاجئ "من المتوقع أن يرتفع العدد بسرعة إلى ما لا يقل عن أربعة ملايين"، لا شك أن هناك حاجة ماسة إلى الدعم الإنساني الموجه إلى الدول المضيفة المجاورة، ويجب أن تتبرع الصين بدون قيود بمبلغ قدره 50 مليار دولار لليونيسيف "منظمة الأمم المتحدة للطفولة"، وهي أكبر وكالة إغاثة في العالم للأطفال المكروبين.
ثالثا، يمكن للصين أن تدعم عملية إعادة إعمار أوكرانيا، وتحدد الحكومة الأوكرانية حاليا خسائر البنية التحتية المرتبطة بالحرب في حدود عشرة مليارات دولار، وهو رقم يمكن أن يرتفع ارتفاعا حادا في الأيام والأسابيع المقبلة. وستكون إعادة البناء مهمة ملحة ومرهقة للغاية بالنسبة إلى دولة احتلت المرتبة 120 عالميا في 2020 من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي "على أساس تعادل القوة الشرائية". ويجب أن تستخدم الصين تركيزها الفريد على البنية التحتية الحديثة لتقديم ما مجموعه 3.5 مليار دولار من الدعم المخصص لأوكرانيا في الفترة بعد الصراع، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الأنشطة المتعلقة بالبنية التحتية التي تدخل في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، "التي كانت أوكرانيا عضوا فيها منذ 2017"، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين. وهذه هي لحظة خطة مارشال الصينية.
إن الخطة التي أقترحها - يضيف روش - بعيدة عن الكمال، لكن في الوقت الذي تحترق فيه أوكرانيا ويعاني شعبها، خاصة أطفالها، مشقة لا يمكن فهمها، فإنها بالتأكيد أفضل من البديل المتمثل في إطالة أمد هذه الحرب المأساوية. نعم، قد تضع هذه الخطة الصين في موقف غير مريح، لكن تولي القيادة ليس أبدا بالمهمة السهلة. ولأن أوروبا على شفا حرب لم تشهد مثلها منذ 75 عاما، فهذه هي اللحظة المناسبة لترقى الصين إلى مستوى هذه المناسبة. وحتى لا يساء فهمي، لا تنحصر هذه الحرب في حدود أوروبا. إذ على خلاف الحرب العالمية الثانية، وضع هذا الصراع قوتين عظميين نوويتين على مسار يقودهما نحو مواجهة خطيرة، وعلى حد تعبير بوتين نفسه، ستكون لها "عواقب... لم ير مثلها على مر التاريخ". فهو يواجه العقوبات القاسية الغربية بثبات، والنتيجة هي أن الاقتصاد الروسي أصبح على وشك الانهيار. وبدون دعم من شراكة روسيا "غير المحدودة" مع الصين، التي بالكاد أطلقت منذ شهر، فإن ذلك سيحدث عاجلا وليس آجلا. فبوتين يكترث للصين أكثر مما يكترث لآلام العقوبات الغربية أيا كانت.
وفضلا عن ذلك، أصبحت الأضرار الجانبية التي من المحتمل أن تواجهها الصين، بما في ذلك الاستمرار في إعطاء الأولوية لشراكتها مع روسيا على حساب مسؤولياتها عن السلام العالمي ذات النطاق الأوسع، التي تزداد وضوحا. ومع استمرار الغرب في تصعيد العقوبات الصارمة ضد روسيا، يناقش كبار المسؤولين الأمريكيين الآن علانية تجريم الصين بالتبعية، وهذا ما حذرت منه تماما. لذا تحتاج الصين إلى التحرك بسرعة من أجل منع هذا الاحتمال، قبل أن تجد نفسها أمام العقوبات التي أصبحت تنتشر بسرعة.
وبالنسبة إلى أمة ذات مبادئ عميقة، يبدو الخيار واضحا تمام الوضوح، إذ منذ عهد تشو إنلاي في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ظلت الصين ثابتة في التزامها بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، بما في ذلك احترام السيادة الوطنية وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. إن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا انتهاك واضح لهذه المبادئ المقدسة. ولا يمكن للصين أن تنكر هذا الاستنتاج وأن تظل في الوقت نفسه وفية لقيمها الأساسية.
ومن المؤكد أن الصين أعربت عن مخاوفها بشأن توسع "الناتو" وأمن حدود روسيا، وهو ما تشدد عليه اتفاقية الشراكة الأخيرة مع روسيا. ومرة أخرى، هذا هو السياق الذي يمكن أن تأخذ فيه الصين زمام المبادرة في مناقشة هذه المخاوف في منتدى طارئ لمجموعة العشرين. فعندما تتولى الصين منصب القيادة، ستكون لديها فرصة كبيرة للاطلاع بدور الوسيط النزيه في تقييم المخاطر، وحل هذا النقاش. لكن الحرب يجب أن تنتهي أولا.
لقد كان شي مصمما ومنهجيا في رسم مسار جديد للصين على مدى الأعوام العشرة الماضية. وفي بعض الأحيان، تصاعدت خطاباته وعبرت عن تطلعات التجديد بعد قرن من الإذلال، بما في ذلك اكتساب مركز القوة العظمى لـ"دولة اشتراكية حديثة" بحلول 2049، وأخيرا، تحقيق "الرخاء المشترك" للساكنة الأكبر عددا في العالم. ومع ذلك، سرعان ما يصبح هذا الخطاب مجرد عبارات جوفاء. إن هذه الأزمة تتطلب أكثر من مجرد شعارات ووعود، إنها فرصة أمام الصين لتظهر استعدادها للتصعيد، والعمل على تحقيق هدفها الذي انتظرته طويلا، وهو قيادة عالمية مسؤولة.
وقد يدفع ذلك العالم إلى طرح أسئلة صعبة. لكن هذه مشكلتنا. فعلى أي حال، الغرب لم يتخذ إجراءات فعالة بصورة خاصة لمنع حدوث هذه المأساة. إن الرسالة الجديرة بالتكرار، فقط الصين من يستطيع إيقاف روسيا.