بولندا تتخلى عن موقفها المناهض للاجئين

بولندا تتخلى عن موقفها المناهض للاجئين
الترحيب الذي حظي به اللاجئون مدفوع بخوف البولنديين وبتعاطفهم مع الأوكرانيين.
بولندا تتخلى عن موقفها المناهض للاجئين
ستدفع السلطات للاجئين ولمقدمي الرعاية الذين يستقبلونهم.

على الرغم من أن القاعة الرئيسة لمحطة "وارسو" المركزية للسكك الحديدية تكتظ بالأمهات والأطفال اللاجئين من أوكرانيا، وهو ما يشكل جزءا من أزمة هجرة هي الأكبر من نوعها في تاريخ أوروبا ما بعد الحرب، إلا أن الأمور هادئة إلى درجة تثير الذهول. فرغم شعور هؤلاء الأشخاص بالإرهاق والصدمة والخوف، إلا أنهم لا يبكون. بحسب ما يرصده تقرير سلومير سيركوسكي، وهو زميل أقدم في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية.
في غضون ثلاثة أسابيع من الهجوم الروسي، فر أكثر من ثلاثة ملايين شخص من أوكرانيا، نصفهم من الأطفال، ووصل نحو مليوني شخص إلى بولندا. وبين عشية وضحاها تقريبا، تحولت بولندا من كونها واحدا من أكثر المجتمعات الأوروبية تجانسا إلى كونها رابع أكبر دولة من حيث عدد اللاجئين في العالم "بعد تركيا، وكولومبيا، والولايات المتحدة، على التوالي".
لقد أجبرت الحرب في أوكرانيا بولندا على التخلي عن موقفها المناهض للاجئين في الأعوام الأخيرة. ففي 2015، عندما استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ من الشرق الأوسط، رفضت بولندا طلب الاتحاد الأوروبي لها بقبول سبعة آلاف فقط. وفي خريف العام الماضي، عندما حاول الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، نقل المهاجرين من الشرق الأوسط عبر حدود بولندا، أعلنت الحكومة البولندية حالة الطوارئ وتحصنت، ومات عشرات الأشخاص، بمن فيهم الأطفال، من جراء الجوع والبرد. وبحسب استطلاعات الرأي، انحاز الشعب إلى الحكومة.
لكن الحكومة البولندية فتحت الآن حدودها لجميع اللاجئين من أوكرانيا، بما في ذلك ما يصل إلى 157 ألفا من غير الأوكرانيين، ويتحدر كثير منهم من الشرق الأوسط، وسارع المجتمع البولندي إلى تقديم المساعدة، وتوفير أماكن الإيواء، ووسائل النقل، والطعام، والرعاية النفسية على نطاق غير مسبوق. وكانت الموجة الأولى من اللاجئين تضم أشخاصا شعروا بخطر قادم ففروا مبكرا، بينما حملت الموجة الثانية أناسا تعرضوا للقصف، أو رأوا جثثا، أو أصيبوا بجروح، أو فقدوا أحباءهم. إن هؤلاء اللاجئين تائهون، وليس لديهم موارد أو معارف في بولندا.
وسمح لجميع اللاجئين بالمكث في بولندا والعمل هناك لمدة 18 شهرا، مع إمكانية حصولهم على تمديد مدة الإقامة "فعل الاتحاد الأوروبي الشيء نفسه"، وفتحت الحكومة نظام الرعاية الصحية للاجئين، وقدمت لهم منحا صغيرة لبدء العمل، وتعويضا عن الأطفال بقيمة 120 يورو "132 دولارا" شهريا "المبلغ نفسه الذي يتلقاه البولنديون"، وأعفتهم من دفع تكاليف المواصلات العامة، ومنحتهم بطاقات عمل. وسجل بالفعل أكثر من 50 ألف طفل لاجئ في المدارس البولندية.
وقد يوجد هذا التدفق من المساعدات الانطباع بأن بولندا مجهزة تماما لإدارة الأزمة. والأمر ليس كذلك، ويمكن أن يكون الافتراض بأنه كذلك خطير على بولندا وأوروبا على حد سواء. وإذا لم تجد الحكومات الغربية طريقة لمساعدة بولندا ماليا ولوجستيا، فقد ينتهي بها الأمر إلى مواجهة رد فعل قومي آخر عنيف.
إن الوضع غير مستدام لعدة أسباب، فقد كان توقع انتشار الأوكرانيين في الدول الغربية الأكثر ثراء في غير محله، إذ بسبب الروابط الأسرية والتشابه اللغوي والقرب من الحدود الأوكرانية، سيرغب معظم اللاجئين في البقاء في بولندا. وقبل الحرب، كانت بولندا بالفعل موطنا لما يقرب من 1.5 مليون أوكراني، معظمهم من المهاجرين الاقتصاديين الذين بدأوا بالقدوم إلى بولندا بعد 2014. وبينما كان هؤلاء الوافدون الأوائل شبابا من الرجال والنساء الباحثين عن عمل، فإن 80 في المائة من لاجئي الحرب من النساء والأطفال. وسيكون الاندماج في الاقتصاد أصعب بكثير، وإذا انضم إليهم لاحقا الرجال الذين بقوا للمشاركة في الحرب، يمكن أن تصبح الأقلية الأوكرانية الجديدة في بولندا التي تبلغ 10 في المائة دائمة.
وتمتلك بولندا أقل نسبة من مساحة السكن حسب الفرد في أوروبا "29 مترا مربعا"، مقارنة بمتوسط الاتحاد الأوروبي "البالغ 40"، بعد رومانيا التي تعج أيضا باللاجئين الأوكرانيين. وبسبب التضخم المرتفع بالفعل والآثار غير المباشرة للعقوبات "والعقوبات البيلاروسية والروسية المضادة"، يتجه الاقتصاد البولندي إلى فترة ستشهد فيها البلاد نموا أبطأ، ومعدلات بطالة أعلى. وقد يبدأ البولنديون في عزو هذه المشكلات إلى اللاجئين، على الرغم من أن اللاجئين يشغلون وظائف غالبا ما تواجه المجتمعات المسنة، مثل بولندا، صعوبة في إيجاد أشخاص لشغلها.
كذلك، فإن الترحيب الذي حظي به اللاجئون مدفوع بخوف البولنديين من روسيا، وكذلك بتعاطفهم مع الأوكرانيين. وسرعان ما قد يتحول استعدادهم الحالي للمساعدة إلى استياء عندما تصبح تكاليف دعم اللاجئين أكثر وضوحا. ففي الدول التي لها تاريخ مرير وعنيف، غالبا ما تصب الشعوب التي تشعر بالأذى أو الإهمال جام غضبها على الفئات الأضعف والأكثر تهميشا. ويضعف اللاجئون من مصداقية ما يدعيه البولنديون الأصليون بشأن تعاطف المجتمع البولندي ودعمه لهم.
وقد تكون هذه الديناميكية السياسية هي السبب وراء اقتراح حكومة بولندا نوعا من "عقد اللجوء" مع المجتمع البولندي. فإضافة إلى صرف 300 زلوتي "70 دولارا" لكل لاجئ بصورة مباشرة، ستدفع السلطات أيضا لمقدمي الرعاية الذين يستقبلون اللاجئين، ما يؤدي إلى نظام يعامل فيه الضحايا على أنهم مجرد أشياء، وإلى الاحتيال وسوء المعاملة والاستغلال.
ختاما، يجب أن يتذكر الغرب أن القيادة البولندية الحالية شنت حملتها على أساس برنامج متطرف مناهض للاجئين. وكما قال الحاكم الفعلي للبلاد، ياروسلاف كاتشينسكي، في 2015، "قد يحمل اللاجئون أمراضا لا تشكل خطرا على أجساد هؤلاء الأشخاص، لكنها قد تكون خطيرة هنا".
وربما تأمل حكومة ماتيوز موراويكي رئيس الوزراء البولندي، أن يؤدي الغزو الروسي والتعبئة الإنسانية لبولندا، إلى إعادة ضبط علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وربما ستنهي المفوضية الأوروبية نزاعها الطويل الأمد مع بولندا بشأن سيادة القانون، وترفع تجميد أموال الاتحاد الأوروبي التي كانت تحتجزها. وربما لن تلغى "الإصلاحات" التي حولت محاكم بولندا إلى ذراع لحزب القانون والعدالة الحاكم على أي حال.
وهناك بالفعل دلائل على أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيتصالحان مع الحكم شبه الاستبدادي في بولندا، ويتقبلان ذلك باعتباره الثمن الذي يجب دفعه مقابل التضامن ضد روسيا، وفي هذه الحالة، ستصبح الديمقراطية البولندية ضحية أخرى للحرب.

الأكثر قراءة