هل يمكن فرض عقوبات على الصين؟ «2 من 2»

ليست الصين مثل روسيا، فاقتصادها أكبر عشر مرات من اقتصاد روسيا. إذ على مدى العقود الثلاثة الماضية انتقلت إلى مركز التجارة والتمويل العالميين. ولأنها تعد موردا مهما للمدخلات الوسيطة في التصنيع، وكذلك الحلقة النهائية في سلسلة التوريد الآسيوية، فقد أصبحت، بالمعنى الحرفي، ورشة عمل للعالم، وأصبحت الآن أهم من الولايات المتحدة من ناحية الاستيراد في قطاعات تشمل السلع الأساسية، والسلع الكمالية الأوروبية.
وتمتلك الصين أكثر من ثلاثة تريليونات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، وهي حامل رئيس لديون الحكومة الأمريكية. ولطالما كانت المدخرات وتفضيلات المحفظة مساهما رئيسا في بيئة معدلات الفائدة التي تراجعت إلى حد كبير اليوم. لذا، ألن ينخفض الإنتاج العالمي إلى حد كبير إذا دفعت التوترات الجيوسياسية الصين فجأة إلى العزلة الاقتصادية، ربما لتضاف إلى لائحة الأنظمة الاستبدادية الأخرى بما في ذلك روسيا وإيران؟
من المثير للاهتمام أن نماذج التجارة والتمويل المتعارف عليها لا تتوقع مثل هذه النتائج الكارثية، على الأقل ليس على المدى المتوسط إلى الطويل. فعلى سبيل المثال، خلصت دراسة حديثة إلى أن فصل سلاسل القيمة العالمية، التي ستتأثر إلى حد كبير بتراجع التعاملات التجارية مع الصين، سيكلف الولايات المتحدة 2 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وبالنسبة للصين، فقد تكون التكلفة أعلى لكنها لن تتجاوز بضع نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم أن المقالات بشأن العولمة المالية واسعة النطاق أيضا، فإن المحصلة النهائية هي نفسها: الانفتاح على الإقراض والاستثمار الدوليين يفيد البلد عموما، لكن المكاسب أقل مما قد يتوقعه المرء من الناحية الكمية، خاصة عندما يكون التنظيم ضعيفا.
ويمكن للمرء أن يستنتج أن تأثير الانقسام الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين سيكون أكبر من خلال افتراض أن تفكيك العولمة أمر من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض كبير في تنوع السلع المتاحة للمستهلكين، وزيادة العلامات التجارية من قبل الموردين الاحتكاريين المحليين، وتراجع التدمير الإبداعي في الاقتصاد. ومع ذلك، ليس من السهل إثبات أن آثار العقوبات التجارية ستكون معوقة للولايات المتحدة أو الصين، كما كانت بالنسبة للاقتصاد الروسي الأقل حجما وتنوعا.
والأمر الذي ربما يكتسي القدر نفسه من الأهمية، هو أن الضغوط المالية العالمية يمكنها، في بعض الأحيان، أن تجبر بدهاء أكبر بعض الحكومات على اعتماد سياسات ومؤسسات أفضل، مع الاحتذاء بمثال استقلال البنك المركزي. ففي عام 2014، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، بدا أن الخوف من رد فعل سوق السندات العالمية على العقوبات الناتجة قد ثبط الرئيس فلاديمير بوتين، عن إقالة إلفيرا نابيولينا، رئيسة البنك المركزي عندما رفعت أسعار الفائدة إلى مستويات مؤلمة لمحاربة التضخم. وفي هذه الحالة، كان لها فضل كبير في منع حدوث الأزمة المالية والتخلف عن السداد. وضع البنك المركزي الروسي اليوم بلغ حدا يشاع فيه أن الحكومة الروسية رفضت استقالة نابيولينا في أعقاب الحرب مع أوكرانيا.
وأفضل ما يمكنني أن أخمنه، مع أنني أعترف بصعوبة إثبات هذه النقطة، هو أن التجاوز في تفكيك العولمة يمكن أن يتسبب بسهولة في وقوع كارثة، لا سيما في تقويض الابتكار والديناميكية. لكن تقديرات عديد من الدراسات الأكاديمية تفيد بأن التأثير الكمي الناتج عن القطيعة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين سيكون أقل من المتوقع. وهذه، على الأقل، هي النظرية المطروحة. وسيكون من الأفضل عدم اختبارها.

خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي