أوروبا وغاز "الشريك" الأمريكي
"على الأوروبيين شراء النفط والغاز الأمريكي، وإلا"
دونالد ترمب، الرئيس الأمريكي المنتخب
لا يحتاج الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب العائد مجدداً إلى البيت الأبيض إلى القيام بأي تهديد للدول الأوروبية بشأن شراء النفط والغاز من بلاده. فهذه الدول بحاجة فعلاً للطاقة الأمريكية لسنوات أخرى عديدة. وأوروبا التي تعمل بلا كلل منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 1922، للتخلص نهائياً من الاعتماد على الغاز الروسي تحديداً، لا تزال أمامها فترة لن تكون قصيرة بالتأكيد، لحسم هذا الأمر. حتى نهاية العقد الماضي، لم تكن للقارة العجوز مخططات عملية، لبدائل عن الواردات الروسية، ولعل أهم الأسباب في ذلك، أنها لم تجد بالفعل واردات أقل تكلفة، لأسباب عديدة، في مقدمتها الجانب الجغرافي الذي يوفر كثيراً من الوقت والمال، لإيصال النفط والغاز من روسيا إلى قلب أوروبا. فضلاً عن وجود خطوط إمدادات بعضها يعود إلى حقبة الاتحاد السوفياتي.
مع بداية العام الحالي، توقفت (كما كانت منتظراً) صادرات الغاز الروسية عبر خط أنابيب تمر من الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا. الجميع كان مستعداً لهذا اليوم بالطبع، لأن كييف أعلنت سابقاً أنها لن تجدد اتفاق العبور مع موسكو. وهذا الخط تحديداً يعود تاريخه إلى فترة الاتحاد السوفياتي، حيث استفادت أوروبا بشكل كبير منه في احتياجاتها من الغاز والنفط. وكان هذا الغاز يتدفق لأوروبا أيضاً عبر خط "نورد ستريم" في البلطيق، وخط عبر بيلاروسيا وبولندا، وخط "ترك ستريم" عبر تركيا وبلغاريا. الآن تغير الوضع تماماً، والقارة الأوروبية ضخت استثمارات كبيرة من أجل تأمين الإمدادات عبر وسائل وخطوط أخرى، بما في ذلك إقامة الموانئ المخصص لهذا النوع من الواردات.
في السنوات الماضية، تراجعت فعلاً الإمدادات الروسية من الغاز للقارة الأوروبية خمس مرات من جراء العقوبات المفروضة على موسكو والعقوبات المضادة التي فرضتها الأخيرة أيضاً. وأسهم هذا التراجع بالفعل في تفعيل الحراك نحو مشهد مستقبلي جديد لإمدادات الغاز، قبل نهاية العقد الماضي، نقلت نقاط العبور الأربعة نحو 201 مليار متر مكعب من الغاز لأوروبا في عام واحد. وشحنت روسيا 15 مليار متر مكعب عبر أوكرانيا في العام 2023، انخفاضاً من 65 مليار متر مكعب قبل العام 2022. أي أن الإمدادات من الجانب الروسي تنخفض، مقابل ارتفاع حصة المصادر الدولية الأخرى، من بينها الولايات المتحدة، التي تسعى (بالرغم من المصاعب اللوجستية الكامنة عبر الأطلسي) إلى أن تتصدر الموردين لـ "الشركاء" الأوروبيين.
ومع ارتفاع تكلفة الإمدادات الأمريكية من الغاز، إلا أن الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة، استورد في العام 2023 أكثر من 120 مليار متر مكعب، استحوذت الولايات المتحدة على 50 % من إجمالي هذه الواردات. وفي 2021 تضاعفت الصادرات من الجانب الأمريكي 3 مرات تقريباً. أسهمت النرويج الغنية بالغاز في سد النقص الناجم عن مصاعب الإمدادات الروسية طوال الفترة الماضي، لكن ليس أمام أوروبا حالياً سوى تحقيق قفزات نوعية وسريعة في التخلص نهائياً من الغاز الروسي بحلول 2027. فهذه القارة يمكن أن تواصل الحصول على هذا الغاز تحديداً عبر خط البحر الأسود، إلا أن ذلك محفوف بالمخاطر دائماً، خصوصاً إذا ما تعمقت القطيعة السياسية والاقتصادية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هاجس إمدادات الطاقة سيبقى سائداً الساحة الأوروبية، وقد يواجهوا الأوروبيون بعض المصاعب في التعامل مع الإدارة الأمريكية المقبلة، التي وضع رئيسها ترمب، سياسته الحمائية، فوق كل الاعتبارات، بما فيها تلك التي يفترض أنها تجمع الحلفاء التاريخيين، أي الأوروبيين بالجانب الآخر من المحيط الأطلسي.