اليمين الأوروبي يتخلى عن حليفه الروسي

اليمين الأوروبي يتخلى عن حليفه الروسي
التشكيلات اليمينية تمثل وعدا لمستقبل تحالف بين روسيا وأوروبا.
اليمين الأوروبي يتخلى عن حليفه الروسي
قاذفة صواريخ أوكرانية تقصف مواقع لقوات الروسية في منطقة دونباس. "الفرنسية"

رغم الأحداث الدامية التي جرت أخيرا في أوكرانيا، يواصل الرئيس الأوكراني فولديمير زيلنسكي جهوده للتوصل إلى حل دبلوماسي يوقف الحرب، فيما تتواصل الجهود الدولية بحذر لتسوية النزاع العسكري الروسي - الأوكراني، فيما تستغل جهات فاعلة بفرض نفسها على المفاوضات لتحقيق مكاسب خاصة بها، لكن على الرغم من كل ذلك، فإن هذه الحرب غيرت موازين ومعادلات سياسية كبيرة كان أبرزها تخلي اليمين الأوروبي المتطرف عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليفه الأيديولوجي، فاليمين المتطرف في أوروبا يعيش حالة من التخبط بسبب التناقضات الكبيرة التي تسببت فيها الحرب الروسية - الأوكرانية، ما أدخلهم في حرج سياسي مفتوح أمام مؤيديهم وأنصارهم، جراء حالة فصام الانتماءات القومية والأيديولوجية.
ينتمي اليمين المتطرف في أوروبا إلى التيار الفكري الملتزم، الذي يتقاسمونه مع الرئيس الروسي، بعد توطيد رؤية مشتركة للعالم، تستند إلى القيم المحافظة التقليدية حول مفهوم عقائدي مشترك مبني على ثوابت دينية مسيحية، في المقابل يكون هناك رفض لقيم وثوابت "الليبرالية المنفتحة" المؤيدة للهجرة، والمؤسسات التي تعبر عن العولمة الغربية، خصوصا الاتحاد الأوروبي، فيما تصطدم هذه الحركات بالواقع القومي وضرورة كسب تأييد قواعدها الشعبية الرافضة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لتقوم بإدانة روسيا تارة وتارة أخرى تدين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والغرب بشكل عام، بسبب السياسات التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد من التأزم.
سارعت الحركات الأوروبية اليمينية المتطرفة، إلى التنديد بالهجوم الروسي، خصوصا بعد التضامن الأوروبي الرسمي والشعبي مع أوكرانيا، لكن ليس كأي خطاب أوروبي آخر، فالمعسكر اليميني المتطرف رافق خطابه بسلسلة من التبريرات، التي تدين المواقف الغربية ذات التوجه الليبرالي المتطرف، الذي دفع القيادة الروسية في نهاية المطاف للجوء إلى التدابير المسلحة، التي تسببت في دخول مدن أوكرانية، فالزحف الغربي نحو موسكو من البوابة الأوكرانية، وجهود ضمها إلى الناتو - بحسب شخصيات يمينية أوروبية - تسببا في كسب مزيد من الضعف لأوروبا، معتبرين واشنطن تجر أوروبا إلى الضياع والهلاك، لتنفيذ أجندات أمريكية التوجه.
عاشت حركات اليمين المتطرف الأوروبية أوقاتا ذهبية قبل التدخل الروسي في أوكرانيا، خصوصا أن أصواتها في محاربة حركات اللجوء والهجرة، لقيت صدى شعبيا واسعا، رافضا مزيدا من المهاجرين القادمين بشكل غير شرعي إلى دول أوروبية خصوصا فرنسا، التي تقف على أعتاب انتخابات رئاسية، أبرز مرشحيها ومنافسي الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، إيريك زمور اليميني المتطرف، المعروف بمواقفه المتطرفة من المهاجرين والمسلمين في فرنسا، الذي دعا في 2018 إلى وجود "بوتين فرنسي" في قصر الإليزيه.
كما سبق أن أظهرت تصريحات أن زمور يعيش حالة كبيرة من التخبط بسبب التدخل الروسي في أوكرانيا، وعلى الرغم من ذلك، فإن نسب التأييد له انخفضت بشكل كبير بعد 24 فبراير الماضي، ما تسبب في انحسار التأييد الشعبي لمتطرفي اليمين، وصعود تأييد شخصيات يسارية مثل جون لوك ميلينشون المرشح عن اليسار الفرنسي، فيما تسجل حالات الانكفاء الشعبي لليمين المتطرف أعلى مستويات لها منذ نحو عقدين من الزمن.
أما ماري جان لوبان المرشحة الرئاسية اليمينية، التي سبق أن قدمت وجهات نظر تساعد روسيا على حساب أوروبا، وتعهدت بانسحاب فرنسا من حلف الناتو، ونددت بالتدخل الروسي في أوكرانيا فيما بعد، فهي اليوم تحت مرمى التصريحات الرئاسية الأمريكية، حيث قالت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية: إن "البيت الأبيض متخوف من أن يخطف فلاديمير بوتين انتصاره الأكبر، ليس في ساحات المعارك، بل في باريس هذه المرة"، وذلك مع احتدام السباق الانتخابي بين إيمانويل ماكرون، وماري لوبان منافسته من أقصى اليمين.
تصريحات قادة اليمين الأوروبي صادمة للرأي العام في دول الاتحاد الأوروبي، فتييري بودت المتطرف اليميني الهولندي، رئيس منتدى الديمقراطية قال: "في رأيي لم يكن أمام روسيا كثير من الخيارات"، ما أثار حفيظة الأحزاب الأخرى التي اتهمته بنشر "الدعاية الروسية"، كما ركزت هذه الحركات على التشكيك في فاعلية العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة المفروضة على روسيا، التي ستضرب تداعياتها أيضا دول الحلفاء، وفي ألمانيا، نددت أليس فايدل زعيمة الكتلة النيابية لـ"البديل من أجل ألمانيا" في مجلس النواب بالفشل التاريخي الغربي، بعد تقديم الوعود بضمها للناتو، والوقوف على الحياد.
بدوره، أعلن فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري أن بلاده تعارض عقوبات الغاز الطبيعي والنفط المحتملة ضد روسيا، مبينا أن فرض عقوبات على قطاع الطاقة سيؤثر بشكل خطير للغاية في المجر، وهنا يبدو أن اليمين المتطرف الأوروبي عالق بين أيديولوجيته الراديكالية، التي يتقاسمها مع بوتين، وخطر فقدان نفوذه في الرأي العام.
نجح الرئيس الروسي في تنفيذ استراتيجيته بكسب اليمين المتطرف الأوروبي، من خلال بناء شبكات تأثير سياسي داخل الجسم الأوروبي، تجاوزت حدود اليد لحركات اليمين المتطرف على قاعدة الالتقاء الأيديولوجي، بل تجاوزتها نحو ربط صلات مع شخصيات سياسية ذات وزن من داخل الأحزاب التقليدية من يمين الوسط أو حتى من يسار الوسط على قاعدة المصالح الاقتصادية والشخصية، مثل الديمقراطيين الاجتماعيين، فإن ما يجمعهما أكثر هو المصلحة الاستراتيجية المشتركة في إضعاف الاتحاد الأوروبي، باعتباره راعيا أساسيا لليبرالية الاجتماعية، وللعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن النقطة المشتركة التي تجمع أحزاب أوروبا اليمينية، هي رفض المشروع الأوروبي من الزاوية فوق الوطنية.
من وجهة نظر موسكو، فهذه التشكيلات اليمينية تمثل وعدا لمستقبل تحالف بين روسيا وأوروبا، لذلك فهي تستخدم وسائل مختلفة من القوة الناعمة لدعمها، من خلال تطوير وسائل الإعلام الدعائية الناطقة باللغات الأوروبية "سبوتنيك، وروسيا اليوم"، ودعم الجماعات شبه العسكرية في أوروبا الشرقية في بلغاريا، والمجر، وكذلك من خلال التمويل كقرض بقيمة تسعة ملايين يورو تم منحه إلى الجبهة الوطنية الفرنسية 2014، كما تجلى هذا التحالف الروسي - الأوروبي اليميني في مواقف الحركات المتشددة من العقوبات التي فرضت على موسكو بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014، إذ عبرت عن رفضها العقوبات الأوروبية والأمريكية، وعزز بعض نواب اليمين المتطرف الأوروبي تحالفهم بالقيام بزيارات تضامنية مع روسيا لشبه الجزيرة المتنازع عليها.
فيما بلغ التحول الاستراتيجي في ألمانيا حدودا غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، الذي أقدمت عليه برلين في علاقتها بالتسليح والتحول العسكري، وتخصيص عشرات مليارات الدولارات للإنفاق العسكري.

الأكثر قراءة