اقتصادات التنمية تتجه إلى الشمال «2 من 2»

في الولايات المتحدة، تنفق حكومات الولايات والحكومات المحلية عشرات الآلاف من الدولارات، وليس بطريقة فعالة، على الحوافز الضريبية وغير ذلك من إعانات الدعم لاجتذاب الشركات الضخمة. لكن مسؤولوها يعملون عادة في ظل قيود بنيوية وبيروقراطية مألوفة لنظرائهم في الدول الفقيرة. كما قال أحد الممارسين المخضرمين في الولايات المتحدة في اجتماع عقد في جامعة هارفارد، "نحن في مركز كل شيء، لكننا لا نتحكم في أي شيء".
كما أنهم يواجهون قيودا مماثلة مفروضة على العلاجات المتاحة. كان التصنيع الوسيلة التقليدية للتغلب على الازدواجية، مع استيعاب العمال في أنشطة التصنيع الأكثر إنتاجية، ترتفع الأجور وتزداد الإنتاجية الإجمالية للاقتصاد. لكن في كل من الاقتصادات النامية والمتقدمة فقد التصنيع قدرته على إيجاد وظائف جديدة، بسبب الأتمتة وغير ذلك من الابتكارات الموفرة للعمالة. كما تقلصت العمالة في التصنيع - كحصة من إجمالي العمالة - حتى في الدول التي حافظت على قطاعات صناعية قوية، مثل كوريا الجنوبية أو ألمانيا.
وعلى هذا ففي الدول مرتفعة ومنخفضة الدخل على حد سواء، يجب أن تعتمد التنمية الاقتصادية في المستقبل بدرجة أكبر على الخدمات والشركات صغيرة ومتوسطة الحجم. وسيحتاج كلا النمطين من الاقتصادات إلى سلالة جديدة من السياسات المنسقة التي تستهدف جانبي العرض والطلب في أسواق العمل، وتجمع بين برامج التدريب على المهارات والدعم الموجه للشركات. يتطلب توفير الوظائف الجيدة وجود شركات جيدة والعكس صحيح.
يجب أن تدعم أطر السياسات الوطنية هذه التجارب الإنتاجية المحلية بالموارد وسياسات الاقتصاد الكلي التمكينية. وهذا يعني خصوصا إعادة النظر في سياسات الإبداع الوطنية التي تشجع دون صعوبة التغيرات التكنولوجية المنحازة لمصلحة رأس المال والمهنيين الحاصلين على تعليم جيد. بإلقاء نظرة جديدة على اتجاه الإبداع والتكنولوجيات المحفزة التي تكمل مهارات قوة العمل ولا تحل محلها، يصبح من الممكن المساعدة إلى حد كبير في التصدي لتحديات سوق العمل التي تواجهها الدول الغنية والفقيرة.
عندما يتحدث أهل الاقتصاد عن التقارب العالمي، فإن ما يدور في أذهانهم عادة هو أن الاقتصادات النامية تنمو بسرعة أكبر من الاقتصادات المتقدمة، وأن دخل فقراء العالم يرتفع إلى مستويات أقرب إلى تلك في الاقتصادات الأكثر ثراء. المفارقة العجيبة في أيامنا هذه هي أننا نشهد تقاربا هابطا وليس صاعدا. تشبه المشكلات التي تواجهها الدول المتقدمة تلك القائمة في الدول الفقيرة على نحو متزايد. حتى إن النماذج والأطر المستخدمة لدراسة الاقتصادات النامية أصبحت وثيقة الصلة على نحو متزايد بالمشكلات التي تواجه الدول الغنية.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي