التنمية المستدامة في الاتصالات .. معايير وأهداف
تحدثت في مقال سابق عن مفهوم الاستدامة والالتفات المتزايد في العقد الأخير لأهمية توظيفه في استراتيجيات الشركات ونماذج أعمالها. ولحداثة هذا المفهوم نسبيا، قد تكون ممارسات الاستدامة جلية في القطاعات المرتبطة بالجوانب البيئية والمصادر الطبيعية، كالإنتاج الزراعي، أو التخطيط الحضري. غير أن هذا الوضوح قد يكون غائبا عند التطرق لمواضيع الاستدامة في قطاعات لا ترتبط بشكل مباشر بأنشطة استدامة الموارد الطبيعية أو المحافظة على البيئة. وبالفعل وردني سؤال عن كيفية تطبيق مفهوم الاستدامة في أنشطة وأعمال الشركات المنضوية تحت قطاع الاتصالات.
أولا، أود أن أشير إلى خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي وضعتها الأمم المتحدة بعد اعتمادها من قبل الدول الأعضاء في المنظمة عام 2015، ويندرج تحتها 17 هدفا تعرف بأهداف التنمية المستدامة SDG. الأهداف الـ 17 وضعت لمعالجة عدد من القضايا الملحة التي تواجه العالم وتجمعها ثلاثة جوانب رئيسة هي: البيئة والتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي. فقضايا معالجة الفقر، أو المحافظة على النظام البيئي في البحار والمحيطات، أو مواجهة أسباب التغير المناخي أو تكافؤ الفرص المتاحة في التعليم والعمل، كلها تندرج تحت مفهوم الاستدامة بمفهومه الشامل. ولهذا فإن الحكومات أو الشركات الكبرى التي تعمل على تحقيق أو تسهم في برامج التنمية المستدامة تتناولها بمفهومها الشمولي، وليس من الزاوية البيئية فحسب. وكثيرا ما تتقاطع مبادرات الشركات المعنية ببرامج الاستدامة مع برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR، بل أصبح من المألوف وجود إدارات أو قطاع كامل يعنى ببرامج مسؤولية الشركات أو الاستدامة بشكل خاص.
فبمعرفة السياق والجوانب التي توظف فيها برامج وخطط التنمية المستدامة يصبح من السهل تصور المجالات أو البرامج التي تقدمها شركات الاتصالات وتقنية المعلومات للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. غير أن المسؤولية التي تقع على عاتق الشركات الكبرى التي تتوزع عملياتها على قارات العالم، أكبر بكثير من الشركات محلية النشاط، وذلك بسبب الالتزامات التي تفرضها بعض الدول على الشركات العاملة على أراضيها بالتقيد ببعض معايير وأهداف التنمية المستدامة. فعلى سبيل المثال، شركة "هواوي" الصينية، مزود أنظمة وعتاد شبكات الاتصالات التي تنشط في ثلاث قارات غالبا ما تكون برامج واستراتيجيات التنمية المستدامة حاضرة في عملياتها ومستهدفاتها، سواء أكان ذلك نابعا من إيمان الشركة بجوانب التنمية المستدامة، أو التزاما بأنظمة ومعايير الدول التي تعمل فيها.
من البرامج التي ينتهجها مزودو خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات الدوليون العمل مع شركائهم لخفض انبعاثات الكربون، سواء عبر زيادة كفاءة استهلاك الطاقة للأنظمة والمعدات، أو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في التصنيع والإنتاج والنقل. أما على الصعيد الاجتماعي، فإن مسألة محاربة الأمية الرقمية وتوفير الوصول العادل لخدمات الاتصالات وتقنية المعلومات لجميع شرائح المجتمع، تعد من أهداف التنمية المستدامة التي تعمل تلك الشركات على تحقيقها. وقد تشمل برامج التنمية المستدامة تقديم المنح البحثية لمواصلة البحث والتطوير في علوم ومجالات الاستدامة البيئية.
أما على الصعيد المحلي، فقد أصدرت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في شهر مارس الماضي بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة تقريرا رائعا عن الاستدامة في المملكة من منظور قطاع الاتصالات وتقنية والمعلومات، سلط فيه الضوء على البرامج ومستهدفات خطط التنمية المستدامة في المملكة، وتقاطعها مع مبادرات ومشاريع رؤية المملكة 2030 الكبرى. إن إبقاء المجتمع والشركاء الرئيسين في القطاع على اطلاع بخطط وبرامج التنمية المستدامة في المملكة خطوة رائدة لحث الشركات العاملة في القطاع للمضي قدما في هذا الجانب.