البطاريات الكهربائية والمستقبل الاقتصادي
التقنيات المتعددة والابتكارات النوعية المختلفة التي لها تأثير مباشر وغير مباشر في حياتنا اليومية وأساليب عيشنا عموما، يعتمد أغلبها على مكون رئيس يعد شريان الحياة لهذه التقنيات والأجهزة المبتكرة، هذا المكون يعد مصدر طاقتها وهو البطاريات التي تعد من الابتكارات الأكثر أهمية عند التحدث في مجال الابتكارات والتقنيات، إضافة إلى أهميتها بالجانب المدني، وكونها قد أصبحت تستخدم تقريبا في كل جزء من حياتنا اليومية، هناك الجانب الأمني والدفاعي، كونها مصدرا لمعظم أجهزة الاتصالات والراديو وبعض المعدات الأمنية والدفاعية، كأجهزة الرؤية الليلية المستخدمة وغيرها، ولذا سيكون مقالي لهذا اليوم عن البطاريات، أتحدث من خلاله عن تعريفها وتاريخها وكيفية عملها واستخداماتها وأنواعها ومستقبلها الاقتصادي، وكيفية الاستفادة من تصنيع هذه التقنية ودورها في تعزيز النمو الاقتصادي.
تقنية البطاريات Batteries هي أحد الابتكارات المهمة في حياتنا اليومية، وتعد نوعا من أنواع توليد الطاقة الكهربائية، وهي عبارة عن أجهزة تتكون من خلايا كهروكيميائية تعمل على تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية عن طريق التفاعلات للمواد الكيميائية، وأول من اخترع هذا النوع من مصادر الطاقة هو العالم الفيزيائي والكيميائي ألساندرو فولتا Alessandro Volta إيطالي الجنسية، وكان ذلك عام 1799، وسمي ببطاريات فولتا، وهو من وضع أساسيات عمل البطاريات التي تم تطويرها بعد ذلك من قبل العلماء الباحثين إلى أن أصبحت على ما هي عليه اليوم، كتقنية مهمة وابتكار مفيد للبشرية، ويعتمد عمل هذه البطارية في توليد الكهرباء على الخلية الكهربائية التي تتكون من قطب سالب ويسمى الأنود Anode وقطب موجب ويسمى الكاثود Cathode والمادة الكيميائية بينها وقد تكون مزيجا من المواد السائلة أو المعجونية الموصلة للكهرباء كمادة الإلكتروليت التي تتكون من حمض الكبريت، وهذه المادة تكون بين القطبين وتسمح بمرور الشحنات الكهربائية بين الطرفين الموجب والسالب، فعند توصيل الجهاز المراد تشغيله بقطبي البطارية وبسبب التفاعل الكيميائي تنتقل الإلكترونات من القطب السالب إلى القطب الموجب، وبالتالي تعمل كمصدر للطاقة لهذا الجهاز، وتنوعت استخدامات هذه التقنية حسب الحاجة والنوع، فمنها ما يستخدم كمصدر للطاقة الاحتياطية، ومنها ما يستخدم في تشغيل الأجهزة بمختلف أنواعها، مثل: الهواتف والساعات والحواسيب المحمولة والسيارات والطائرات وأجهزة التحكم والكاميرات وفي المصانع، حيث دخلت هذه التقنية في عمل عديد من الأجهزة والأنظمة الإلكترونية والآلات الدقيقة وغيرها كثير، وهناك أنواع متعددة من البطاريات ويمكن تصنيفها إلى نوعين: أولي غير قابل للشحن، وهي التي في الأغلب تستخدم في الساعات والإضاءة وبعض الأجهزة مثل الكاميرات والمفاتيح وغيرها. والصنف الثاني، هو الثانوي وهو النوع القابل للشحن، ويتنوع حسب المواد الكيميائية المستخدمة فمنها، البطاريات التي يستخدم فيها حمض الرصاص Lead acid، وهناك بطاريات النيكل هيدريد المعدنية Ni-MH، وبطاريات النيكل والكادميوم Ni-Cd، وبطاريات أيون الليثيوم Li-ion، ولهذه الأنواع مميزات مشتركة منها أن لديها سعة تخزين وكفاءة وفعالية عالية، إلا أن تكلفتها أيضا عالية، فمثلا استخراج المواد الخام مثل الليثيوم مكلف جدا، ولها أيضا تأثير بيئي حيث تتطلب عملية استخراج طن واحد من الليثيوم الى 50 ألف جالون من الماء.
ولذا تتنافس المراكز البحثية والشركات المختصة على تطوير هذه التقنية، خصوصا مع التقدم التقني والصناعي الذي نشاهده اليوم، ما يجعلها تتناسب في مجال استخدامها، وبدأ بالفعل عدد من شركات صناعة السيارات الكهربائية، مثل تسلا Tesla، في التحول من بطاريات الليثيوم أيون إلى بطاريات فوسفات حديد الليثيوم LFP، التي تنتجها الصين بنسبة 95 في المائة، وتعد الأكثر كفاءة بين أنواع البطاريات المختلفة، ويعمل الخبراء في شركة لوسيد Lucid المنافس القوي في عالم السيارات الكهربائية، على إنتاج بطاريات ذات مدى أطول وقوة وأقل تكلفة لاعتلاء عرش المنافسة. الجدير بالذكر نمو مبيعات السيارات الكهربائية على مستوى العالم، حيث تم بيع أكثر من ستة ملايين سيارة على مستوى العالم عام 2021 تقريبا، ويتوقع أن يصل حجم سوق البطاريات العالمية إلى أكثر من 310 مليارات دولار بحلول عام 2027، بنسبة أكبر من 14 في المائة، ولا شك أن المستقبل والسوق الاقتصادية لتقنية البطارية يبدو قويا، خصوصا بعد التقرير المنشور أخيرا عن وكالة الطاقة الدولية والخاص بالابتكار في البطاريات وتخزين الكهرباء، الذي يشير إلى أن الاستثمار في مثل هذه التقنيات سيقود إلى تلبية الاحتياجات العالمية من الطاقة النظيفة والطلب المتزايد لذلك.
لذا أرى أن الاستثمار في تطوير مثل هذه الابتكارات التقنية النوعية من خلال توجيه المراكز البحثية المختصة إلى هذا المجال، وتصنيعها محليا عن طريق الشركات والمصانع السعودية، خصوصا كونه يعد مجالا قويا للتنافس والإبداع، في إيجاد البدائل التصنيعية الملائمة من حيث الكفاءة والجودة والتكلفة لتحقيق التميز، وذلك سيوجد أيضا فرصا وظيفية بكفاءات عالية واقتصادا يتماشى مع متطلبات تحقيق رؤية مملكتنا الغالية 2030 التي من أهدافها تنويع مصادر الدخل وتوسيع قاعدة الاقتصاد واستدامته من خلال قاعدة قوية من الاستثمارات في القطاعات الواعدة مثل تقنيات الطاقة.