هل تغير العقوبات الغربية النظام المالي العالمي؟ «2 من 2»

رغم أن النظام الصيني للدفع بين البنوك عبر الحدود لم يشكل حتى الآن تهديدا خطيرا للهيمنة العالمية التي تتمتع بها أنظمة الدفع الغربية، فإن تطوير الصين لعملة الرنمينبي الرقمية قد يخلف تأثيرا أعظم. تستكشف بنوك مركزية عديدة إمكانية إصدار عملة رقمية "تعد السويد، حيث تختفي الأموال النقدية بسرعة، أكثر تقدما من غيرها في هذا الصدد"، لكن بين الاقتصادات الأكبر حجما، تتقدم الصين الصفوف. ربما يكون بوسع "الدولار الرملي" الذي أنشأته جزر الباهاما أن يدعي أنه أول عملة رقمية بالكامل يصدرها بنك مركزي، لكن أشك في قدرته على منافسة الدولار بجدية.
تتحرك البنوك المركزية الغربية بحذر في التعامل مع العملات الرقمية. فلا يخلو الأمر من مشكلات فنية يجب حلها، فضلا عن مخاوف خطيرة تتعلق بالخصوصية. قد لا يرحب المواطنون بفكرة أن البنك المركزي قادر على مراقبة كل قرش ينفقونه. لكن هذه الاعتبارات لا تشغل بال القائمين على بنك الشعب الصيني كثيرا. يقدم لنا تقرير حديث صادر عن مؤسسة هوفر حول آفاق الرنمينبي الرقمي وصفا يعده "تعزيزا مذهلا للسيطرة الاستبدادية". لكن من منظور غربي، تعد التداعيات الدولية أشد خطورة من قضايا السيطرة الداخلية.
الواقع أن الريادة الصينية في مجال العملات الرقمية قد تزيد بشكل كبير من استخدام الرنمينبي عبر الحدود، والآن يجري تشجيع الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية على استخدامه. يزعم تقرير مؤسسة هوفر الذي كتب قبل الحرب في أوكرانيا مباشرة، أن قدرة الولايات المتحدة على توظيف العقوبات المالية بفعالية ستتضاءل إذا نجحت الصين في تعزيز "فرض اليوان" "وهو تعبير آخر جديد" على تدفقات التجارة العالمية من خلال عملتها الرقمية.
الواقع أن الولايات المتحدة متقدمة بشكل كبير في تطوير العملات الرقمية المشفرة الخاصة والترويج لها، وهي أدوات مضاربة ذات تكاليف معاملات عالية توفر إمكانية تحقيق عوائد أعلى للمضاربين المخضرمين، من ناحية أخرى، تحمل الصين لواء الريادة في أنظمة الدفع الرخيصة التي تقلل تكلفة المعاملات عبر الحدود لمصلحة الأفراد والشركات في الاقتصاد الحقيقي. وقد يكون في هذا درسا.
بطبيعة الحال، توقع كثيرون موت الدولار مرارا وتكرارا من قبل، ورغم هبوط حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية من 71 في المائة عام 2000 إلى أقل من 60 في المائة اليوم، فإن إشارات قليلة تدلل حاليا على زواله. لكن الاستخدام المتزايد للعقوبات المالية كسلاح حرب أوجد حافزا جديدا للصين وغيرها من الدول لاستكشاف الطرق الكفيلة بالحد من التأثير في حال استخدام تدابير مماثلة ضدها. وقد تكون العواقب الأبعد أمدا على النظام المالي العالمي بعيدة المدى.

خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي