صندوق الرمان
استقبلني أحد الأصدقاء بفتور.
قابلني ببرود لم أعهده منه.
صافحني بإهمال.
لم يكلف نفسه النظر إلى عيني.
يدفع يده نحوي بتثاقل مريب، كأنه يضع كيس أسمنت على كتفه. حينما فرضت نفسي وجلست بجواره، أوهمني بأنه منشغل بهاتفه.
حاولت أن أفتح معه موضوعا، ولكنه أوصد الباب في وجهي بداعي تركيزه مع شاشة جهازه.
تأكدت أن هناك خطبا ما. فقد يكون متضايقا مني لسبب أو لآخر. لم أستطع قبول هذا الانطفاء المفاجئ في علاقتنا دون مقدمات.
تواصلت معه هاتفيا، بعد أن انصرفت من المنزل الذي جمعنا مباشرة. سألته بعد التحية: "ما سبب غضبك. بح، فلك العتبى حتى ترضى؟".
أجاب بتكرار: "الموضوع بسيط. لكن تكدرت قليلا. بعد أن أرسلت لك هدية، ولم تتفاعل معها".
فقد أرسل إلي صندوق رمان، بعد زيارة خاطفة قام بها إلى عروس المصايف، الطائف، مع بطاقة لطيفة، احتوت على كلمات رقيقة خطها بيراعه. ولم أقابل صندوق الرمان اللذيذ وكلماته الصادقة بأي ردة فعل.
وبالفعل، عندما عدت إلى محادثتنا الهاتفية، اكتشفت أنني كتبت له رسالة شكر ومحبة، بيد أني لم أرسلها.
ظلت فيما يبدو لفترة قيد الانتظار، إذ عثرت عليها نائمة تنتظر إيقاظي لها.
فيبدو أنه جاءني اتصال حينما كنت أهم بمشاركتها معه، ولم أضغط زر الإرسال.
أيقنت حينها أن ما يكدر صفو علاقاتنا مع أحبتنا ليس عدم المبادرة فحسب، وإنما ردة الفعل أحيانا.
مثل عدم التفاعل مع هدية. عدم الرد على اتصال. عدم تلبية دعوة وغيرها.
أذكر أنني عملت في شركة كبرى قبل أعوام، كانت لديها إدارة منع الخسائر loss prevention department
وكان هدف الإدارة الرئيس هو الحرص على إجراءات السلامة، من خلال خطوات تضمن عدم حدوث إصابات عمل أو حرائق أو حوادث.
أعتقد أنه ينبغي لكل منا أن يؤسس مثل هذه الإدارة في حياته، ليضمن المحافظة على أصدقائه وأحبته.
يضع قائمة بالإجراءات التي يتوخاها مع رفاقه ليمنع خسارتهم، إثر حرائق تنشب في أعماقهم إزاء ردود فعلنا تجاههم.
أحيانا نحتاج إلى المنع أكثر من المنح، لتمضي الحياة بمكاسب وبلا خسائر.