طهران .. دعاية مسيرة لطائرات ملغمة
بثت إيران أخيرا دعاية إعلامية متلفزة ممولة عسكريا، تدعي فيها تفوقها في مجال الطائرات المسيرة، بعد فشلها في كثير من الملفات، خصوصا ملف تصدير الأزمات إلى دول الجوار، لتتجه صوب الدعايات الممولة، التي تظهر بتفاصيلها شكوك المسؤولين الإيرانيين وشعورهم بانعدام الأمن، ما يدفعهم إلى القيام باستعراضات للقوة لتحقيق أقصى تأثير ممكن، وبأقل تكلفة ممكنة، للتخفيف من حدة تلك المخاوف، التي تسيطر عليهم داخليا وخارجيا، خصوصا أن قيادات القوات المسلحة تخضع لسيطرة ونفوذ رجالات الحرس الثوري المحسوبة بشكل مباشر على المرشد الإيراني الأكبر علي خامنئي، ومن المرجح أن تستمر مثل هذه المحاولات بأشكال وأحجام مختلفة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، حيث تتعثر المفاوضات النووية بشكل واضح وتستمر إيران في تحدي الوضع القائم في المنطقة.
الجمود في المفاوضات النووية في فيينا أحرج النظام الإيراني بعد أن شهدت المحادثات تقدما في بعض المراحل، لكن النظام المولع بعدم تقديم التنازلات، وصلت به الحال إلى تفضيل استمرار معاناة شعبه اقتصاديا ومعيشيا بمواصلة العقوبات الاقتصادية والمالية دون أن يفرط في أي من الطموحات النووية والصاروخية، لتشتعل في البلاد شرارة الاحتجاجات في مختلف المدن، رفضا للأوضاع المعيشية المتردية، التي لا تنطبق على رجالات المرشد علي خامنئي وأعوانه، لتلجأ دوائر صنع القرار في كل احتجاجات إلى بث الرعب في نفوس المواطنين، وبث الأكاذيب لتغطية خيباتها وإخفاقاتها بالتعامل مع الأزمات والتحديات، التي تواجه البلاد، دون أي تحسن ملموس ينعكس على حياة المواطن.
عقلية القيادة الإيرانية لا تؤمن سوى بالحرب والدمار، وهي مستعدة لإنفاق ميزانية الدولة على الصناعة العسكرية، دون أي اهتمام بقطاعات الصحة والتعليم، وغيرها من المجالات المهمة في الحياة، حيث إن الأولوية لبقاء النظام، رغما عن بقية الأولويات، التي تمس حياة المواطن الإيراني بشكل مباشر، وهناك ليس مطلوبا من المواطن سوى مزيد من الصبر والتحمل، ولتحقيق هذه الغاية تعمل العقلية القمعية في دوائر صنع القرار الإيراني على نشر روايات أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، فآخر صيحات النظام الإيراني امتلاكه أقوى أسطول طائرات مسيرة في منطقة الشرق الأوسط، متجاهلا التأخر التكنولوجي، والتخلف المعلوماتي، الذي تعيشه الدولة منذ عقود.
انطلقت الحملة الإعلامية الممولة عسكريا عبر شاشات التلفزيون النظامي الإيراني، حيث لا مصداقية إعلامية وأخلاقيات مهنية، ليبث القائمون على هذه المحطة، رغبات وأمنيات القيادة العسكرية، بصرف النظر عن تحقيق أهدافها وبلوغ مرادها، فالقصة بدأت فصولها من ظهور مراسل ميداني للنظام الإيراني معصوب العينين على متن مروحية من طراز "بيل 214" تقلع من قاعدة كرمانشاه الجوية الأولى للجيش، مصحوبا من قبل عساكر إيرانيين، تتجه إلى وجهة غير معلومة، في رحلة مدتها 40 دقيقة، لتحط الطائرة في مكان مجهول ويبدأ البث من تحت الأرض، لتكون الدعاية العسكرية مبثوثة على الهواء بالصوت والصورة، ليكون الهدف منها تخدير الأغلبية الصامتة بأن السلطات في البلاد تملك الأسطول الأكثر قوة وتنوعا من الطائرات دون طيار في الشرق الأوسط، مهملة ما يشكله من تهديد مطلق من جميع النواحي، إذ تزود طهران وكلاءها في المنطقة بهذا النوع من الطائرات، لتنفيذ عمليات القتل والترويع.
تعد هذه الحملة الدعائية بمنزلة محاولة لدحض الدعاية السيئة الأخيرة، التي عانتها القوات المسلحة الإيرانية، خاصة قواتها الجوية، وقوات دفاعها الجوية، التي فشلت في الحرب الإلكترونية وأسقطت طائرة أوكرانية كانت قد أقلعت قبل دقائق من مطار طهران عقب اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وأبو مهدي المهندس القيادي في الحشد الشعبي، وذلك عقب استهداف قاعدة عين الأسد في شمال العراق 2020، حيث تواصلت إخفاقات القوات الجوية بصد هجمات معادية جوا استهدفت الموقع النووي في نطنز، إضافة إلى تحطم طائرات مقاتلة مأهولة ومقتل طياريها بسبب الفقر التكنولوجي لأنظمة الملاحة المتطورة وعدم توافر قطع الغيار بسبب الحصار المفروض على النظام الإيراني، للحد من عملياته وطموحاته الحاملة للنزعة العدائية تجاه دول الجوار في المنطقة.
كما يحاول القائمون على هذه الدعاية إظهار التماسك، في ظل غياب السرية والخصوصية للقوات المسلحة وخضوعها لسيطرة رجالات الحرس الثوري، وترميم السمعة السيئة للعلاقة بين المؤسسات المقاتلة في البلاد، خصوصا أن قيادات الجيش تسعى للتقرب من قيادات الحرس الثوري لتجنب شرها وعدائيتها، وما يترتب عليها من سخط محسوب على أعلى المستويات في الدولة، خصوصا أن قيادة الحرس الثوري تعد من قيادات الدائرة الأولى الأكثر قربا من المرشد الإيراني.
في الوقت ذاته تحاول قيادة الجيش التودد للحرس الثوري، الذي لا يزال على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب، حيث تظهر الدعاية الممولة من القيادة العسكرية الإيرانية، مخزنا تحت الأرض للطائرات المسيرة وقاعدة انطلاق، استعارة منصة لإطلاق الصواريخ تابعة للحرس الثوري كنوع من التودد في المقام الأول وإخفاء الشرخ الكبير بين المؤسستين العسكريتين، كما تشير التحليلات إلى أن الحرس الثوري موجود وبقوة في جميع مفاصل الدولة الإيرانية، من خلال استعراض قوته، حيث عرض طائرات مسيرة من جميع فروع القوات الإيرانية، إضافة إلى نماذج أولية تجريبية من الأسلحة مثل صواريخ كروز المعروفة باسم حيدر، التي قد لا تدخل أبدا في سلسلة الإنتاج بسبب مشكلات في الإدارة والميزانية، مثل عديد من الأسلحة الأخرى.
وتعد هذه الدعاية محاولة لمواجهة التقارير المتواصلة عن تحطم طائرات مسيرة متفجرة صغيرة غير معروفة في مواقع عسكرية ونووية إيرانية حساسة، فضلا عن القتل المستهدف لمسؤولين عسكريين إيرانيين، وكلها أحداث أدت إلى إضعاف الشعور بالأمان والردع لدى إيران.
وسبق أن وقعت الحادثة الأخيرة أواخر مايو الماضي، حين دمرت سلسلة من الانفجارات حظائر الأبحاث في مجمع بارشين الصناعي العسكري، وقتلت مهندسا وأصابت آخر بجروح، وعادة ما تنسب وسائل الإعلام الدولية والمسؤولون الإيرانيون مثل هذه الحوادث إلى أعمال إسرائيلية سرية، تستخدم فيها مروحيات رباعية محملة بالمتفجرات، في حين تشير صور الأقمار الاصطناعية المتاحة - من بينها غارة مزعومة بطائرة دون طيار في فبراير الماضي ضد قاعدة جوية إيرانية للحرس الثوري وشركة أرتيش لصناعة الطائرات المسيرة على بعد 20 كيلومترا غرب كرمانشاه - إلى أضرار خارجية في أسطح المباني وأضرار أكبر داخليا، بما يتطابق مع هجمات الطائرات الصغيرة دون طيار.
إلى ذلك، ظهرت تكهنات كثيرة حول موقع القاعدة 313 للطائرات المسيرة، إذ يشير بعض المراقبين إلى أنها تقع في منطقة دالاهو غربي إيران، وهي منطقة جبلية تبعد نحو 100 كيلومتر غرب كرمانشاه، بناء على اسم مطبوع على معدات مكافحة الحريق الظاهرة في الفيديو، ويشير آخرون إلى أنها قاعدة الشهيد آسيايي الجوية الثانية للجيش في مسجد سليمان، التي تقع على بعد أكثر من 300 كيلومتر جنوب شرق كرمانشاه، وكلاهما غير مرجح.
لا تكشف صور الأقمار الاصطناعية المفتوحة المصدر عن أي بنية تحتية عسكرية ذات أهمية في منطقة دالاهو، لكن قاعدة الشهيد آسيايي، تتضمن ما لا يقل عن مدخلين مدعمين بالخرسانة لما يبدو شبكة أنفاق تحت الأرض، مع منحدرات خرسانية مجاورة فوق الأرض يمكن استخدامها لإطلاق طائرات مسيرة بمساعدة محركات صاروخية، ومع ذلك، لا يمكن رؤية أي مدرج للطائرات دون طيار، وتستغرق المسافة البالغة 320 كيلومترا بين قاعدتي مسجد سليمان وكرمانشاه أكثر بكثير من 40 دقيقة بالطائرة.
من جهة أخرى، على سبيل ملف تصدير الأزمات إلى دول الجوار وموقع القاعدة الجوية للطائرات المسيرة الظاهرة في الدعاية في مدينة دالاهو غربي إيران، فهذا دليل جديد آخر على تورط النظام الإيراني في استهداف منشآت نفطية سعودية، حيث سبق أن تم استهداف منشأتي بقيق وخريص من قبل مصدر مجهول، تبعه ادعاء من ميليشيا جماعة الحوثي الإرهابية بتبني الهجمات، في حين إن الطائرات قدمت - بحسب خبراء - من إيران مرورا بالعراق، وأدى هذا الاستهداف إلى تعطل نحو 5 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط، في حين عقدت الرياض صفقة مع كوريا الجنوبية للحصول على أنظمة دفاع جوي متوسطة وقصيرة المدى، للتصدي للطائرات المسيرة.