بريطانيا تناقش شرعية ترحيل طالبي اللجوء

بريطانيا تناقش شرعية ترحيل طالبي اللجوء
لحظة توقيع المملكة المتحدة مع رواندا اتفاقية إعادة توطين طالبي اللجوء.
بريطانيا تناقش شرعية ترحيل طالبي اللجوء

أوشكت السياسة الجديدة للحكومة البريطانية بشأن قضية الهجرة الشرعية على دخول حيز التنفيذ، بداية الأسبوع الماضي، لولا دخول المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على الخط، بإصدارها قرارا يقضي بمنع عملية ترحيل طالبي اللجوء، بعدما باتوا قاب قوسين أو أدنى من تدشين أولى رحلات الترحيل إلى رواندا، إذ أجبر الحكم طائرة تستعد للإقلاع من قاعدة عسكرية في الجنوب الغربي لبريطانيا على إلغاء الرحلة، ما يعني تعليق العمل بخطة حكومة المحافظين حول اللجوء حتى إشعار آخر.
في تفاصيل قانون الهجرة الجديد وخطة الترحيل التي قسمت المجتمع البريطاني، أقدمت حكومة بوريس جونسون على توقيع اتفاقية مع رواندا، تقدر بقيمة 120 مليون جنيه استرليني "148 مليون دولار"، بغرض استضافة هذه الأخيرة طالبي اللجوء والمهاجرين إلى المملكة المتحدة. لجأت حكومة لندن إلى هذه الخطوة، في سياق مواجهة مشكلة الهجرة غير القانونية نحو البلاد، وتقويض شبكات تهريب البشر التي نشطت بشكل متزايد، في السواحل البريطانية، بعد واقعة انفصال المملكة عن الاتحاد الأوروبي.
تفيد الأرقام أن ما يفوق عشرة آلاف مهاجر غير شرعي، عبروا في رحلات بحرية، منذ مطلع العام الجاري المانش قاصدين السواحل البريطانية على متن زوارق صغيرة. وهذا رقم كبير جدا، مقارنة بما تم تسجيله في العامين الماضيين، إذ عدت أرقامهما قياسية حينها. وتتحدث تقارير إعلامية بريطانية عن وصول 444 مهاجرا في يوم واحد فقط من أيام الشهر الجاري، ما دفع الحكومة إلى التعجيل بتنفيذ الخطة، للحد من أفواج المهاجرين المتدفقة، رغم الوعود المتكررة بالسيطرة عليها من جانب الاتحاد الأوروبي.
دافع رئيس الوزراء عن الاتفاقية، مؤكدا أنها أفضل السبل لإنقاذ "أراوح لا تعد ولا تحصى من ضحايا مهربي البشر"، وظل الرجل محافظا على حماسته تجاه الخطة، رغم القرار القضائي، فتحدث قائلا "لن يتم ردعنا بأي شكل من الأشكال أو ثنينا من خلال بعض الانتقادات"، مضيفا في تصريح إعلامي أن "المجموعات الإجرامية التي تعرض حياة أشخاص للخطر في المانش يجب أن تفهم أن نموذجها الاقتصادي سينهار في ظل هذه الحكومة". عدت ليز تراس وزيرة الخارجية من جانبها، هذه السياسة "حيوية لوقف النموذج التجاري لعصابات تهريب البشر الذين يستغلون ضعف المهاجرين".
الإجماع على هذه السياسة المتشددة في مواجهة الهجرة غير القانونية، لا يتعدى نطاق أعضاء الحكومة وأنصار حزب بوريسون من المحافظين، فيما يسود الامتعاض في الداخل البريطاني من هذا التوجه الذي يعاكس التاريخ المشرف لبريطانيا في مجال حقوق الإنسان وطالبي اللجوء. حماس رجال السياسة له أكثر من تفسير، متى ما وضع في سياق المعركة الانتخابية، والسعي وراء أصوات اليمين المحافظ، وحتى إيجاد حلول بعيدا عن رفاق الأمس في النادي الأوروبي. لكن سعي مؤسسة القضاء في بريطانيا وراء تأييد الخطة، بدعوى أن "المصلحة العامة" للحكومة تقتضي تنفيذ هذه السياسة، أمر غير مفهوم بالنسبة إلى كثير من المراقبين.
شجع هذا التأييد القضائي أصواتا من داخل الأغلبية المحافظة في البرلمان البريطاني على المطالبة بالتخلي عن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي كانت لندن من أول المساهمين في إنشائها 1950، قبل أن تتحول إلى قانون ملزم بعد ذلك. فقد كتبت أندريا جينكينز النائبة المحافظة في حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، "نعم، لننسحب من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولنوقف تدخلاتها في القانون البريطاني".
كما انتقدت إيفيت كوبر السياسية البرلمانية، سياسة الحكومة حيال الهجرة غير النظامية، واصفة ما يجري بوصمة عار في سجل المملكة المتحدة، "من المخزي والعار أن الحكومة مستعدة لدفع ملايين الجنيهات لدولة تبعد عن بريطانيا آلاف الكيلومترات، لكي تقوم نيابة عنها باتخاذ قرارات بشأن اللاجئين"، وأضافت، فيما يشبه إعادة توجيه بوصلة الحكومة، بحثا عن الحل نحو الاتحاد الأوروبي، "كان بالإمكان أن تتوصل إلى اتفاق مع الفرنسيين لوقف القوارب غير القانونية وإنهاء المشكلة، لكنها لن تتمكن لأن علاقاتها مع الفرنسيين تدهورت".
دخلت المؤسسة الدينية بدورها على خط الأزمة، فقد حرر الزعماء الروحيون للكنيسة الأنجليكانية، وعلى رأسهم جاستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربري ويورك ستيفن كوتريل، رسالة حملت توقيع 30 أسقفا، نشرتها صحيفة "التايمز" البريطانية، نبهوا فيها الحكومة إلى أن خطتها "لم تأخذ أي اعتبار لطلب اللجوء، ولم تحاول فهم محنة هؤلاء الأشخاص"، وعدوا "هذه السياسة غير الأخلاقية تغطي بريطانيا بالعار". وعلى النهج ذاته، سار صادق خان عمدة مدينة لندن، الذي احتفى بقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد الحكومة البريطانية، واصفا القرار بأنه "إنقاذ لحياة طالبي اللجوء".
الأسرة الملكية بدورها علقت على الأمر، في تجاوز للعرف الذي يقضي بأن ملوك التاج البريطاني لا يدلون بأي آراء سياسية، حيث عبر الأمير تشارلز، ولي العهد والملك القادم للبلاد، عن إحباطه من خطة الحكومة البريطانية، ووصف نقل طالبي اللجوء إلى رواندا بالمروع. رغم أن موقف تشارلز تجاوز للأعراف، يبقى تعبيرا عن حجم الرفض الداخلي لهذه الخطة، والدليل أن القصر الملكي لم يعلق أو ينفي التسريبات على لسان تشارلز، ما يعني أن هناك توجها لإسماع الحكومة صوتا مخالفا من داخل الدوائر الحاكمة.
لا شيء قادر على ثني الحكومة عن تنفيذ سياستها، فقد أكدت بريتي باتيل وزيرة الداخلية أنها "لن تسمح لأي كان بثني حكومتها عن تنفيذ سياستها لترحيل طالبي اللجوء الذين يصلون إلى بريطانيا بطرق غير آمنة وغير قانونية". فالرهان - كما يبدو من كلام ممثلي الحكومة البريطانية التي تستعد للمعركة القانونية ضد المحكمة الأوروبية - هو "التأسيس لمبدأ الترحيل، وكسر النموذج التجاري لمهربي البشر".
يذكر أن بريطانيا ليست أول من لجأ إلى هذه الطريقة، فقد سبقتها دول كأستراليا والدنمارك.. كما أن رواندا، الدولة المضيفة للاجئين، ذات تجربة سابقة في موضوع استقبال طالبي اللجوء. ففي 2019، اتفقت كيجالي والاتحاد الإفريقي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على إجلاء المهاجرين من مراكز الاحتجاز الليبية المزرية طواعية إلى رواندا على متن رحلات جوية تديرها الأمم المتحدة. ووقعت 2021 مع الدنمارك اتفاقيتي تعاون فيما يخص الهجرة واللجوء، دون إعطاء أي تفاصيل. حينها تحدثت الصحافة الدنماركية عن تخطيط الحكومة لإقامة مركز استقبال لطالبي اللجوء في دولة ثالثة، على غرار ما تحاول بريطانيا تنفيذه اليوم.
قبل أيام نجح بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني في اختبار سحب ثقة، أوشك على الإطاحة بحكومته، لكن تشبثه بتفعيل هذه السياسة التي قسمت المجتمع البريطاني إلى نصفين، تجعله يعيد تكرار سيناريو سلفه تيريزا ماي، التي خرجت من معركة سحب الثقة مثخنة، فنزلت من قيادة سفينة الحكومة عند أول عاصفة لاحت في الأفق.

الأكثر قراءة