التسويق الزراعي .. الفرص والتحديات

استبشر المزارعون والمستهلكون جميعا بصدور قرار إنشاء أول شركة متخصصة في تسويق المنتجات الزراعية السعودية بتمويل من صندوق التنمية الزراعية يصل إلى 700 مليون ريال، الأمر الذي سيشكل خطوة متقدمة في اتجاه دعم المستثمرين في القطاع الزراعي والمزارعين والمستهلكين بمختلف مناطق المملكة.
يتم الترتيب لتأسيس الشركة بتضافر جهود وزارة البيئة والمياه والزراعة واتحاد الغرف السعودية والغرفة التجارية والصناعية بالرياض، كما صرح بذلك رئيس اللجنة الوطنية للزراعة وصيد الأسماك باتحاد الغرف السعودية الدكتور إبراهيم التركي حيال تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 برفع الناتج المحلي الزراعي من 130 إلى 165 مليار ريال. وستساعد على إيجاد هوية للمنتجات والمحاصيل الزراعية، تسهل على المزارعين الدخول في تفاوض جيد مع أسواق التجزئة، وتنظيم المزارع التي يبلغ عددها أكثر من 660 ألف مزرعة بمختلف المساحات والمناطق.
وحيث إن تسويق وتداول المنتجات الزراعية من المهام الصعبة التي تحتاج إلى كثير من تضافر الجهود لتذليل هذه الصعوبات التي تزداد جراء اتساع الرقعة الجغرافية لمناطق الإنتاج ومناطق التسويق لبلد مثل المملكة، فإذا علمنا أن منتجات الفواكه الاستوائية من منطقة جازان تحتاج إلى ألف كيلومتر لتصل للرياض وألفي كيلو متر لمدن مثل تبوك وحفر الباطن وعرعر والقريات، وتحتاج منتجات الأسماك من جدة إلى الدمام إلى 1500 كيلومتر، وتحتاج منتجات الجوف وتبوك من منتجات الزيتون والفواكه إلى أكثر من ألفي كيلومتر لتغطي أسواق عسير ونجران.
المناطق الزراعية ذات الوفرة الغذائية، مثل الخرج والقصيم وحائل والأحساء والمدينة المنورة، تتحرك معظم المنتجات الزراعية فيها في دائرة لا يقل قطرها عن 700 كيلومتر، وجميع هذه المسافات تعد مسافات شاسعة على النقل والتداول اليومي لهذه المنتجات، ومن الصعب مقارنة نجاح تداول وتسويق المنتجات الزراعية في دولة مثل هولندا مساحة أراضيها اليابسة 33.800 كيلومتر مربع بدولة مثل المملكة مساحتها 2.149.690 كيلومتر مربع، أي تفوقها بـ"63" مرة وتضاريس مختلفة. ولا يعني هذا استحالة حل هذه المعضلة التسويقية، لكن من العدل طرح ومناقشة الحلول المقبولة التي تتلاءم وظروف المملكة، وليس بالضرورة نجاح تجربة وطريقة دولة ما لها ظروف مختلفة أن تنجح في دولة أخرى لا تماثلها في معظم ظروفها، لكن يبقى هناك قواسم نجاح مشتركة لنجاح التسويق الزراعي.
كلما قصرت سلسلة الإمداد بين المنتج "المزارع" ومنافذ البيع للمستهلك المحلي، نجح التسويق الزراعي بكل أطرافه، فالمزارع سينال السعر العادل في بضاعته ويقل عنده هدر ما بعد الحصاد، والمستهلك سيصله المنتج بجودة عالية وسعر مجد ويتم تفادي عديد من الوسطاء الذين يتسببون في المبالغة في ارتفاع وتباين كبير بين سعر المنتج الزراعي من المزارع إلى المستهلك.
من الركائز المهمة التي لها دور في جودة التسويق ونجاحه وتجدر العناية بها بالترتيب "الإنتاج الجيد، الحصاد الفاعل، الفرز والتعبئة الصحيحة، النقل والتخزين المبرد، والتوزيع السريع". الإنتاج الجيد، يتضمن إنتاج ما تحتاج إليه السوق من حيث الصنف والكمية المطلوبة، بحيث تكون السوق هي التي تقود الإنتاج، فتكون الكميات وفق الطلب من حيث الأصناف والكميات لتفادي زيادة العرض عن فجوة الطلب بما يضمن جودة التصريف. ويشمل الإنتاج الجيد، جودة وكفاءة الزراعة من حيث استخدام البذور المحسنة ذات الوفرة الإنتاجية والتقنية الحديثة في الري والتسميد ومتطلبات الإنتاج، واستخدام التقنيات الحديثة في الحصاد لتقليل الهدر، والفرز المبكر والتعبئة الجيدة لحفظ وسلامة المنتج وإطالة عمره الزمني وتخزينه في الثلاجات بدرجات الحفظ المناسبة ونقله بوسائط نقل مبردة وطبليات تحافظ على سلامة المنتج وسهولة تداوله حتى تخزينه على أرفف العرض للمستهلك النهائي.
إن شركة لهذا الغرض عليها العناية بكامل مراحل سلسلة الإمداد من المزارع إلى المستهلك وتقديم أفضل الخدمات لها لكي تنجح في مهمتها وتكون هناك واقعية في أهدافها. إن أسواق المملكة للمنتجات الزراعية كبيرة ومنتشرة في رقعة متسعة ولا يمكن السيطرة على حجمها البالغ أكثر من 660 ألف حيازة زراعية مختلفة الإنتاج والمساحة دفعة واحدة. وحجم الناتج الزراعي السنوي يراوح بين 130 مليار ريال من الصعب استهداف واحتواء كامل هذه الفرصة بشركة واحدة!
كلما كانت أهداف هذه الشركة واقعية ومحددة وقابلة للتطبيق، كان النجاح حليفها، مثل التركيز في بداية تأسيس عمل الشركة على أسواق العاصمة الرياض فقط كمرحلة أولى ومنطقتي الخرج والقصيم، ثم التدرج في تغطية المناطق والأسواق الأخرى. ويجب الاستفادة من ماضي الشركات التسويقية للمنتجات الزراعية التي أنشئت للدواجن والألبان والخضار ولم تنجح، ومعرفة أسباب إخفاقها لتلافيه من خلال الجلوس مع قيادتها السابقة والاستفادة من خبرتهم.
من العناصر البالغة الأهمية التي قد تكون سببا في فشل هذه الشركات، تدني مستوى البنية التحتية والضبط والإدارة والإشراف في كثير من أسواق النفع العام المخصصة للخضار والفاكهة واللحوم والأسماك في المملكة، ما يتسبب في فشل الجهود الرامية إلى ضبط وتسويق المنتجات الزراعية بفاعلية، فبعض هذه الأسواق قد تحتاج إلى إلغاء أصلا لما تتسبب في طول سلسلة التداول ومرتع للعمالة والتكتلات الرامية إلى رفع الأسعار وكثرة الوسطاء، وما لم تتحسن جودة بنية هذه الأسواق وتكون تحت إشراف هذه الشركة قيد الإنشاء وضبط أي تداول للمنتجات الزراعية خارج نطاق عملها في مناطق نفوذها، فإن نجاحها سيكون محدودا، وربما يكون مستحيلا. لدى هذه الشركة كثير من الترتيب اللازم في بناء علاقات مباشرة مع المزارعين والجمعيات الزراعية وتشجيع المزارعين على الانضمام لهذه الجمعيات ليسهل خدمة منتجاتهم، فمن غير المقبول أن تبلغ نسبة مشاركة المزارعين في الجمعيات الزراعية في المملكة 3 في المائة فقط! على مستوى المملكة بينما تعد الجمعيات الزراعية من أهم وسائل نجاح الزراعة والتسويق في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي