معركة حياتنا الاقتصادية

منذ اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي الأخير، تغير مجرى التاريخ بشكل درامي. فقد نشبت الحرب الروسية - الأوكرانية، فتزلزل حتى الصميم الاتحاد الأوروبي، الذي أسس لمنع الحرب من العودة إلى القارة. حتى عندما يتوقف القتال، كما ينبغي له في النهاية، فلن يعود الوضع إلى ما كان عليه في السابق أبدا. في الواقع، قد يتبين لنا بعد حين أن التدخل الروسي كان بداية حرب عالمية ثالثة قد لا تنجو حضارتنا من أهوالها.
لم تأت حرب أوكرانيا من فراغ. كان العالم على مدار نصف القرن الأخير، أو لفترة أطول، منهمكا على نحو متزايد في صراع بين نظامين للحكم متعارضين تماما: المجتمع المنفتح والمجتمع المنغلق. اسمحوا لي بتوضيح الاختلافات بين النظامين ببساطة قدر استطاعتي.
في المجتمع المنفتح، يتلخص دور الدولة في حماية حرية الفرد، وفي المجتمع المنغلق، يتمثل دور الفرد في خدمة حكام الدولة. كان لزاما على قضايا أخرى تشكل أهمية كبرى للبشرية بأسرها مكافحة الجوائح وتغير المناخ، وتجنب الحرب النووية، والحفاظ على المؤسسات العالمية أن تتراجع إلى خلفية هذا الصراع الجهازي. لهذا السبب أقول إن حضارتنا قد لا تنجو.
بدأت أنخرط فيما أسميه العمل الخيري السياسي في ثمانينيات القرن الـ 20، عندما كان جزء كبير من العالم يرزح تحت نير الحكم الشيوعي. كنت راغبا في مساعدة الناس الذين انتهكت حقوقهم وناضلوا ضد الإرهاب. شرعت في إنشاء المؤسسات واحدة تلو الأخرى في تتابع سريع في منطقة من العالم كانت تعرف آنذاك بالإمبراطورية السوفياتية. وقد تبين أن ذلك الجهد كان أكثر نجاحا مما كنت أتوقع.
كانت أياما مثيرة. وقد تزامنت أيضا مع فترة من النجاح المالي الشخصي الذي سمح لي بزيادة عطائي السنوي من ثلاثة ملايين دولار عام 1984 إلى أكثر من 300 مليون دولار بعد ثلاثة أعوام.
تأملت طويلا، وعلى نحو مثابر، الأسباب وراء حدوث هذا التحول. يكمن جزء من الإجابة في التطور السريع الذي طرأ على التكنولوجيا الرقمية، خاصة الذكاء الاصطناعي.
نظريا، يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي محايدا سياسيا: فمن الممكن استخدامه في الخير أو الشر. لكن في الممارسة العملية نجد أن التأثير غير متماثل. الواقع أن الذكاء الاصطناعي مفيد، خصوصا في إنتاج أدوات التحكم التي من شأنها أن تساعد الأنظمة القمعية وتعرض المجتمعات المفتوحة للخطر. كما ساعدت جائحة مرض فيروس كورونا في إضفاء الشرعية على أدوات التحكم والسيطرة هذه، لأنها مفيدة حقا في التعامل مع الجائحة.
سار التطور السريع الذي طرأ على الذكاء الاصطناعي كتفا بكتف مع صعود شركات التكنولوجيا الكبرى ومنصات التواصل الاجتماعي. وفي غضون فترة وجيزة، تمكنت هذه التكتلات من الهيمنة على الاقتصاد العالمي، وامتد انتشارها إلى مختلف أنحاء العالم.
كانت لهذه التطورات عواقب بعيدة المدى. فقد زادت حدة الصراع بين الصين والولايات المتحدة. عملت الصين على تحويل منصاتها التكنولوجية إلى كيانات وطنية قوية. وكانت الولايات المتحدة أكثر ترددا في هذا الصدد، لأنها شعرت بالقلق إزاء التأثير الذي قد تخلفه هذه التكنولوجيات على الحرية الفردية.
تسلط هذه المواقف المختلفة ضوءا جديدا على الصراع بين نظامي الحكم المختلفين. من المؤكد أن الصين في عهد الرئيس شي جين بينج التي تجمع البيانات الشخصية لمراقبة مواطنيها والسيطرة عليهم بقدر من العنف غير مسبوق في أي دولة أخرى في التاريخ، تستفيد من هذه التطورات.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي