صناعة الألعاب الإلكترونية والابتكار

من المسلمات أن العلم والتعلم هما أساس النجاح وتطور الأمم، وأن جودة التعليم هي أساس الابتكار بشتى أنواعه، ودون ذلك لن يتحقق تقدم لأي اقتصاد ينافس ويتطلع للصدارة والريادة، ولن يكون ذا قوة دفاعية مستدامة، وقد يتبادر للوهلة الأولى عند سماع الألعاب أيا كانت سواء إلكترونية أو غيرها أنها مضيعة للوقت ولها تأثير كبير في التفكير والسلوك، ولا شك أن كل شيء في هذه الحياة له فوائد ومضار والحكمة هي كيفية الاستفادة - قدر الإمكان - من هذه الفوائد واستغلالها بالشكل المناسب والأمثل وتجنب أو البعد عن مضارها ومفاسدها، ولا يكون ذلك إلا من خلال التعليم وإيصال الأفكار المفيدة عبر تقنية الألعاب، خاصة للأطفال والشباب. ولا شك أن الألعاب عموما، خاصة الإلكترونية، تكمن أهميتها في أنها أصبحت تعد من أساليب الترفيه المنتشرة وبشكل كبير على مستوى العالم، لذا سيكون مقال اليوم خاصا عن مفهوم وأهمية تقنية الألعاب الإلكترونية ومدى تأثير ذلك في التفكير الابتكاري والإبداع، وبعدها كصناعة ابتكارية متطورة ومؤثرة في الاقتصاد. أي دولة من أهدافها التقدم والتطور، حيث تعمل على تدريب مجتمعها على التفكير الإبداعي والابتكاري، وذلك يعتمد على تنشئة أجيالها الصغيرة على ذلك منذ أعوامهم الأولى، وهناك دراسات كثيرة لا مجال لطرحها هنا لكنها جميعا تؤكد وجود علاقة قوية بين اللعب ونوعية الألعاب، بالابتكار، وأن من الممكن أن تبنى الشخصيات والأفكار والطاقات الابتكارية من خلال حسن استخدامها، وكون الألعاب أصبحت تلعب دورا أساسيا في تنمية القدرة التفكيرية والإبداعية والابتكارية عند النشء، فكان لا بد من الاهتمام بهذا الجانب والحرص على تمكينه، فالنشء لن يكون مبدعا ومبتكرا ما لم يقم بالتجربة والاكتشاف، وهذا ما توفره التقنيات التكنولوجية من خلال الألعاب الإلكترونية الحديثة التي نشاهدها اليوم وهي في تطور مستمر.
ولن يكون غريبا أن نرى صناعة الألعاب الإلكترونية أصبحت إحدى الصناعات المهمة التي لها دور مؤثر في الاقتصاد العالمي ويتضح لنا ذلك من خلال الأرقام القياسية التي حققتها من مبيعات العام الماضي 2021، حيث بلغت قيمتها أكثر من 130 مليار دولار، وأصبح لدى كثير من الدول الكبرى شركات مصنعة لهذه الألعاب، فنجد مثلا اليابان لديها عديد من الشركات المصنعة في هذا المجال منها، على سبيل المثال لا الحصر، شركة Sony Group، أسست في طوكيو عام 1946، وحسب الإحصائيات الأخيرة لعام 2021 بلغت إيرادات الألعاب الإلكترونية فيها 24.9 مليار دولار، ولديها عديد من الشركات التابعة في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وتعد من أكبر شركات الألعاب الإلكترونية في العالم، وشركة Nintendo أسست عام 1889، وتعد أيضا من أكبر شركات ألعاب الفيديو في العالم وبلغت إيراداتها للعام الماضي 15.3 مليار دولار، وشركة Bandai Namco أسست عام 2005 واحتلت مركزا متقدما في ترتيب شركات الألعاب الإلكترونية عام 2022 وبلغت إيراداتها ملياري دولار، وشركة Sega Games Co. Ltd أسست عام 1940 وهي شركة فرعية مملوكة بالكامل لمجموعة Sega Holdings ولديها عديد من المكاتب في جميع أنحاء العالم، ويوجد في الولايات المتحدة عديد من الشركات الكبيرة والمنافسة في هذا المجال، منها شركة Microsoft Corporation، إحدى أكبر شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات، أسست عام 1975 مقرها الرئيس واشنطن، وتعد أكبر شركات الألعاب الإلكترونية في العالم وبلغت إيراداتها في هذا المجال فقط 16.3 مليار دولار عام 2021، وأعلنت هذا العام 2022 استحواذها على شركة Activision Blizzard مقابل 68.7 مليار دولار، كأكبر صفقة في تاريخ الألعاب الإلكترونية. الجدير بالذكر أن شركة Activision Blizzard أسست عام 2008 من خلال اندماج شركتي الألعاب الإلكترونية الأمريكيتين Activision وBlizzard Entertainment وActivision Blizzard، وحققت إيرادات بقيمة 8.8 مليار دولار العام الماضي، وتعد ضمن أكبر شركات الألعاب الإلكترونية حسب إحصائيات عام 2022، ويوجد كذلك عديد من الشركات في الصين التي تنافس في هذا المجال، منها شركة Tencent للألعاب الإلكترونية أسست عام 1998، وتعد من أكبر الشركات وبلغت إيراداتها في مجال الألعاب الإلكترونية عام 2021 فقط 13.9 مليار دولار.
ولعل ما نشاهده من التطورات السريعة في عالم التقنيات والهندسة الإلكترونية والابتكارات النوعية، منها تقنيات الجيل الخامس 5G التي توفر السرعات العالية في عالم الاتصالات وتقنية المعلومات وتقنية الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence: AI، وتقنيات الواقع الافتراضي Virtual Reality: VR والواقع المعزز Augmented Reality: AR، وتقنيات Graphics كل ذلك وغيره من التقنيات ساعدت على تطور هذه الصناعة وأصبحت هناك الألعاب السحابية Cloud Gaming، وتطبيقات الألعاب Gaming Apps، جعلتها أكثر ذكاء وإبداعا، وأصبحت تمثل سوقا استثمارية واعدة.
وفي مملكتنا الغالية لم يغفل هذا الجانب المهم، وتماشيا مع أهداف رؤية المملكة 2030 الطموحة، أصبح هناك استحواذ على أسهم بعض الشركات المختصة في صناعة الألعاب الإلكترونية اليابانية والأمريكية من قبل "صندوق الاستثمارات العامة"، وإعلان شركة نيوم افتتاح أول استديو خاص بتطوير ألعاب فيديو الأول من نوعه في المنطقة، وهناك اتحاد لرياضات الألعاب الإلكترونية الذي أعلن أخيرا اتفاقية تعاون لتعزيز قطاع الألعاب الإلكترونية بقيمة تصل إلى مليار دولار، إضافة إلى إعلان إقامة المملكة موسم الجيمرز Gamers8، كأكبر حدث للرياضات والألعاب الإلكترونية على مستوى العالم في أيلول (سبتمبر) 2022 وتفوق جوائزه 15 مليون دولار، وأصبحت هناك برامج لهذا المجال الواعد تطلق بين فترة وأخرى، مثل البرامج التي تطلقها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التي تهدف إلى تشجيع الابتكارات والمهارات الرقمية في تطوير الألعاب الإلكترونية. الجدير بالذكر أن هذه الصناعة حققت عوائد تجاوزت مليارات الدولارات خلال عام 2021، لذا أرى أن زيادة الاستثمار في هذا القطاع ستكون ذات مردود استثماري رائع، خصوصا إن تم استغلالها استغلالا صحيحا من خلال نشر الثقافة وزيادة الوعي والتعليم، حيث تعمل وزارة التعليم على دمج الألعاب الابتكارية في مناهجها ومناشطها، ولعل إقامة الندوات والمنتديات، كمنتدى الرياض العالمي لأبحاث الألعاب، ومعرض الرياض العالمي للألعاب، والمقرر عقده خلال الفترة المقبلة كإحدى الوسائل لنشر هذه الثقافة، وفي الوقت نفسه فتح فرص استثمارية لرواد الأعمال والمستثمرين، ويتم العمل على تحقيق امتلاك حق التصنيع والتطوير لهذه الألعاب بالمحتوى مع الحفاظ على الطابع الذي يتماشى مع قيمنا وثقافتنا ويسهم في إيجاد جيل من المبتكرين المبدعين في هذا البلد المعطاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي