عودة منظمة التجارة العالمية «2 من 2»

حافظ أعضاء منظمة التجارة العالمية على القدرة على التنبؤ في مجال الاقتصاد الرقمي العالمي من خلال تمديد الوقف القائم منذ فترة طويلة لفرض الرسوم الجمركية على عمليات النقل الإلكتروني عبر الحدود. هذا القرار خبر سار لمستهلكي الأفلام وألعاب الفيديو التي تبث عبر الإنترنت، وأكثر إبهاجا للملايين من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تعتمد على الخدمات والأسواق الرقمية.
إضافة إلى هذا، أطلق أعضاء منظمة التجارة العالمية عملية إصلاح مؤسسي، مع الاعتراف بأن المنظمة في احتياج إلى التحديث وتحسين طريقة عملها. وقد التزموا بجعل نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية يعمل بكامل طاقته مرة أخرى في غضون عامين. ومن الأهمية بمكان أنهم أدركوا الدور الذي تلعبه التجارة ومنظمة التجارة العالمية في تمكين النساء، وتوسيع الفرص لمصلحة المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وتحقيق الأهداف البيئية العالمية.
بعد المؤتمر، أعلن أحد العناوين الرئيسة، «فجر جديد يطل على نظام التجارة العالمي». لكن النجاح لم يكن حتميا بأي حال. الواقع أن كل الاجتماعات الوزارية السابقة لمنظمة التجارة العالمية، باستثناء قلة منها، لم تحقق إلا أقل القليل من وعودها أو انهارت بشكل حاد. لم ير عديد من المراقبين فرصة كبيرة لحدوث أي شيء مختلف هذه المرة، خاصة على خلفية من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والحرب في أوكرانيا.
مع ذلك، انضم إلى الإجماع في جنيف كل أعضاء منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك أوكرانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، وأستراليا، والبرازيل، والهند، وباكستان، وجنوب إفريقيا، والدول الجزر في منطقة الكاريبي والمحيط الهادئ. كان ذلك مثالا للتعددية في أفضل حالاتها. لقد تجاوز الأعضاء التوترات الثنائية واختاروا الاستثمار في النظام التجاري متعدد الأطراف الذي دعم لعقود من الزمن توسع التجارة العالمية والازدهار.
لقد أعادت الاتفاقيات منظمة التجارية العالمية إلى مسارها الصحيح كمنظمة موجهة نحو تحقيق النتائج. وهي تثبت أن المفاوضات متعددة الأطراف ـ التي كانت حتى وقت قريب توصف على نحو متزايد بأنها محتضرة ـ لا تزال قادرة على تحقيق النجاح، شريطة أن يتغلب الأعضاء على عقود من انعدام الثقة وأن يعملوا معا.
وسط كل الحديث عن الانفصال وانحسار العولمة، جددت الحكومات إيمانها بقدرة القواعد التعددية على مواصلة ترسيخ التجارة بين الدول والتكتلات. وهذا سيجعل من الممكن تجنب التكاليف الباهظة المترتبة على التفتت الاقتصادي البعيد المدى. ستستمر المنافسات الاستراتيجية بطبيعة الحال. لكن ذلك النوع من التعاون الاستراتيجي عبر خطوط الصدع السياسي الذي كان واضحا في جنيف سيكون ضروريا، في التجارة وغيرها من المجالات، إذا كنا راغبين في حل مشكلات المشاعات العالمية، من تغير المناخ إلى التأهب للجوائح.
الواقع أن التدابير التي تبناها 600 مندوب أعيا السهر أعينهم في غرفة الاجتماعات الرئيسة في منظمة التجارة العالمية ترسي الأساس لتمكين الأعضاء من إعادة بناء الثقة، والتوصل إلى مزيد من الاتفاقيات، ودفع الإصلاحات المؤسسية التي تشتد الحاجة إليها، للحفاظ على لياقة المنظمة وقدرتها على تحقيق الغرض منها. يجب أن يتمثل الهدف في مواصلة تحقيق النتائج من أجل الناس جميعا في مختلف أنحاء العالم. وأنا على يقين من أن هذا النهج القائم على التدرج كفيل بتشييد أساس متين لدعم منظمة التجارة العالمية بعد إعادة تنشيطها لفترة طويلة في المستقبل.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي