أزمات غير مسبوقة على طاولة "العشرين"

أزمات غير مسبوقة على طاولة "العشرين"
أزمات غير مسبوقة على طاولة "العشرين"

في الاجتماعات الأخيرة لقادة مجموعة الدول السبع، وأعضاء حلف شمال الأطلسي، ووزراء خارجية مجموعة العشرين، كان من الواضح في نظر الجميع أن العالم يواجه عددا كبيرا من حالات الطوارئ التي ليست كمثل أي شيء شهدناه منذ عقود من الزمن. فقد تصاعدت التوترات الدولية إلى مستويات تنذر بالخطر على خلفية انعدام الأمن الغذائي وأمن الطاقة على نحو متزايد، وانخفاض قيمة العملات، وأزمات الديون التي تلوح في الأفق، وجائحة مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19 المستمرة حتى الآن، والتأثيرات متزايدة الحدة الناجمة عن تغير المناخ، والصراعات المسلحة.
في السابق، كانت مجموعة العشرين، التي تتولى رئاستها إندونيسيا هذا العام، منتدى معنيا بالتصدي للمشكلات المالية والاقتصادية، والآن يـدفع بها إلى أرض حساسة بالغة الخطورة. ستكون قمة قادة المجموعة التي ستنعقد في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) على قدر بالغ من الأهمية، لكن لا يمكننا الانتظار حتى ذلك الوقت لمعالجة أزمات اليوم المتشابكة. ينبغي لمجموعة العشرين بحسب هذا التقرير الموقع من قبل مجموعة من خبراء الاقتصاد والمناخ أن تطلق عملية افتراضية "على الإنترنت" لبدء العمل نحو صياغة استجابة مشتركة منسقة قبل انعقاد قمتها في تشرين الثاني (نوفمبر).
وفقا لبرنامج الغذاء العالمي، يعاني أكثر من 800 مليون شخص الآن الجوع المزمن، ويواجه ما يصل إلى 323 مليونا منهم خطر المجاعة. فقد ارتفعت أسعار الطاقة إلى عنان السماء، وتستمر جائحة مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19 في الانتشار بين سكان العالم الذين لم يتلقوا التطعيم الكافي (16.5 في المائة فقط من سكان الدول منخفضة الدخل حصلوا على التطعيم كاملا). علاوة على ذلك، يعاني 60 في المائة من الدول منخفضة الدخل أزمات الديون، وتواجه المجتمعات في مختلف أنحاء العالم موجات الجفاف، والفيضانات، وحرائق الغابات، وغير ذلك من أعراض انهيار المناخ.
في نيسان (أبريل)، حـذر أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة من أن العدد الكبير من الأزمات المتلاقية اليوم "قد يدفع ما يصل إلى 1.7 مليار إنسان ـ أكثر من خـمـس البشرية ـ إلى براثن الفقر، والعوز، والجوع على نطاق غير مشهود منذ عقود من الزمن". لكن على الرغم من خطورة الوضع، فإننا لسنا عاجزين عن تغييره. لقد أطلقـت بالفعل بعض المبادرات المتعددة الأطراف لمعالجة أزمات الديون، والطاقة، وانعدام الأمن الغذائي. ولكن لكي تكون فاعلة، يجب أن تكون هذه الجهود منسقة وشاملة. الواقع أن مشكلاتنا مترابطة ومتشابكة إلى حد يصبح من المستحيل معه معالجتها بشكل مجزأ.
تتمثل الأولوية العاجلة اليوم في ضمان الأسعار العادلة وتأمين الإمدادات عبر أسواق الغذاء والطاقة. يتطلب سد عجز تمويل برنامج الغذاء العالمي هذا العام ما لا يقل عن عشرة مليارات دولار. حتى الآن، استجابت المؤسسات الدولية وعديد من الحكومات لأزمة الغذاء بمبادرات مثل التحلف العالمي للأمن الغذائي، الذي أطلق هذا الربيع لتنسيق تمويل عمليات الإغاثة الإنسانية والاستثمارات في مرونة الأنظمة الغذائية. وقد صدقت أكثر من 80 دولة على خريطة الطريق من أجل نداء عمل الأمن الغذائي العالمي بقيادة الولايات المتحدة، كما انعقدت قمم مهمة ذات تركيز إقليمي مثل الحوار الوزاري المتوسطي بشأن أزمة الأمن الغذائي والمؤتمر الوزاري للاتحاد من أجل الأمن الغذائي العالمي.
لكن حتى على الرغم من أنه معروف أن التجارة المفتوحة تشكل ضرورة حاسمة لاحتواء انعدام الأمن الغذائي، فإن أكثر من 20 دولة فرضت قيودا على الصادرات الغذائية "من خلال تراخيص التصدير، أو الضرائب، أو الحظر التام". وفي حين وافقت الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أخيرا على إعفاء مشتريات برنامج الأغذية العالمي الإنسانية من قيود التصدير، فإن هذا لن يكون كافيا. نحن في احتياج إلى الاستفادة الكاملة من معرفتنا بكيفية عمل سوق الغذاء العالمية في الأمدين القريب والبعيد، وفيما يتصل بكل من العرض والاحتياطيات.
تحقيقا لهذه الغاية، يجب على الدول الكبرى التي تحتفظ بمخزونات من الحبوب أن تفرج عنها في الأسواق الدولية للحد من زيادات الأسعار، وينبغي للحكومات أن تعمل على تعزيز نظام معلومات السوق الزراعية لتحسين الشفافية والمراقبة "بما في ذلك أسواق العقود الآجلة" ومنع المضاربة. يجب أن نضمن تمكين مزيد من الدول من بناء الاكتفاء الذاتي من خلال تنويع الواردات الزراعية وزيادة مرونة الإنتاج المحلي "حيثما أمكن".
في مجال الطاقة، ناقش رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، والرئيس الأمريكي جو بايدن، وآخرون، إنشاء تكتل لشراء النفط للتفاوض على أسعار أفضل، وهناك عديد من المبادرات الجديدة للتعجيل بنشر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة. لكننا يجب أن نعمل على تسريع الوتيرة خلال فترة الإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 الذي تستضيفه مـصر في تشرين الثاني (نوفمبر).
من جانبها، تستطيع مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف، بل يتعين عليها أن تبذل مزيدا من الجهد لتوفير السبل لتخفيف أزمات الغذاء والطاقة والديون الجارية. في الوقت الحالي، يخصص صندوق النقد الدولي الربع فقط من ميزانيته التي تبلغ تريليون دولار لتقديم المساعدات المالية للدول المتعثرة. على نحو مماثل، يستطيع البنك الدولي أن يزيد قروضه، من خلال التفاوض على تجديد رأس المال مع الدول الأعضاء والاستفادة من التصنيف الائتماني الممتاز لحشد رأس المال الخاص بضمانات القروض.
للتصدي لأزمة الديون التي تلوح في الأفق الآن، نحتاج إلى مبادرة وقائية قوية متعددة الأطراف لإعادة هيكلة الديون وتخفيفها لمصلحة الدول النامية التي تواجه أعباء ديون لا يمكن تحملها. تضاعفت حصة الدول منخفضة الدخل التي تعاني ضائقة الدين، أو المعرضة لخطر الانزلاق إليها، من 30 إلى 60 في المائة منذ 2015. وما يزيد الطين بلة خفض التصنيف الائتماني لعديد من الدول متوسطة الدخل، ما يعني أنها ستواجه تكاليف خدمة ديون أعلى، خاصة الآن وقد بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنوك مركزية رئيسة أخرى في إحكام سياساتها النقدية.
يجب أن تذهب المبادرات الجديدة لتخفيف ضائقة الديون إلى مسافة أبعد كثيرا مما ذهبت إليه جهود أخيرة مماثلة. انتهى العمل بمبادرة تعليق خدمة الديون التي أطلقـت في وقت مبكر من الجائحة، بعد تقديم 13 مليار دولار فقط كإغاثة مؤقتة لـ48 دولة. فضلا عن ذلك، لم تغط هذه المبادرة سوى الدائنين الثنائيين الرسميين، فاستبعدت بالتالي الدائنين من القطاع الخاص الذين يملكون الحصة الأكبر من ديون الدول النامية.
بعد إطلاق مبادرة تعليق خدمة الديون، أنشئ الإطار المشترك لمعالجات الديون للتعامل مع مشكلات الإعسار السيادي ومشكلات السيولة المطولة في الدول المؤهلة للمبادرة. من المفترض أن يوفر هذا الإطار تخفيف الديون وإعادة هيكلتها بما يتفق مع احتياجات الإنفاق الأساسي للمدين وقدرته على السداد، لكن بعد عام ونصف العام من إطلاقه، لم تشترك فيه سوى ثلاث دول "تشاد، إثيوبيا، وزامبيا"، ولم ينجح أي منها في إتمام عملية إعادة هيكلة الديون.
نظرا إلى أن المشاركة في الإطار المشترك تقتصر حاليا على 73 من أكثر الدول فقرا، فقد تحتاج معايير التأهل إلى المراجعة والتوسيع، ومن الأهمية بمكان دمج كل الدائنين ـ بما في ذلك الصين والقطاع الخاص ـ في هذه العملية. تـعـد زيادة شفافية الديون ضرورة أساسية لإعادة التفاوض بشكل فاعل على الديون السيادية. وفي حين قد يكون تأمين المشاركة الصينية صعبا، فإن مشاركة القطاع الخاص قد تكون لازمة بموجب التنظيم، خاصة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث توجد سابقة لهذا بالفعل.
أخيرا، يجب تعليق الرسوم الإضافية التي يتقاضاها صندوق النقد الدولي "الرسوم الإضافية المفروضة على الدول المقترضة المثقلة بالديون" عل الفور. لقد ارتفع عدد الدول التي تتكبد مثل هذه التكاليف بالفعل من تسعة إلى 16 منذ بدأت الجائحة، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع المجموع إلى 38 بحلول 2025.
الواقع أننا نواجه مجموعة غير مسبوقة من الأزمات التي قد تعرض مستقبلنا لمخاطر شديدة. ومرة أخرى، يحتاج العالم إلى مجموعة العشرين لتصعيد الجهود والعمل بحزم وعزيمة.

الأكثر قراءة