الابتكار وتحدياته الحالية

أصبحت آثار الابتكارات واضحة جدا من خلال التطورات التقنية والتكنولوجية السريعة التي نعايشها، وأصبح لها دور فاعل في النمو الاقتصادي وبشكل عام على الدول التي لديها الإمكانات اللازمة لتفعيل وتصنيع هذه الابتكارات، ونحن نلمس ذلك أيضا من خلال التطورات الكبيرة التي أحدثتها على كثير من الجوانب سواء المدنية منها أو الدفاعية، وأصبح كثير من الدول النامية تسعى إلى التقدم في هذا التطوير والابتكار من خلال صب جل اهتمامها في هذا المجال والعمل على تخطي جميع العقبات والتحديات التي تواجهها، وأن يكون لها دور بارز في ذلك، ولذا سيكون حديثنا في هذا المقال، وبإيجاز، عما هي تلك التحديات وكيفية التغلب عليها من منظور علمي واستراتيجي حتى نستطيع تحقيق المنافسة والأسبقية والاستدامة في ذلك.
هناك بعض التحديات والمعوقات في عدم القدرة على إتمام حلقات الابتكار لكثير من الدول على الرغم أن بعضها لديه الكفاءات والطاقات البشرية وكثير من الاختراعات المسجلة. ومن هذه العوائق والتحديات، ما هو على مستوى الأفراد أو المجتمع أو الدولة ككل، ومنظومة الابتكار تنشأ في البداية من الحاجة إلى هذا الابتكار، وبالتالي تبنى على تلك الحاجة "الأهداف"، الخطط، والاستراتيجيات لتحقيق هذه الأهداف المنشودة، وتكون هذه الخطط واضحة ومدروسة ومقيدة بزمن معين وذات مرونة عالية، وتراجع باستمرار للتأكد من فاعليتها حال تغير الأنظمة ذات العلاقة، وبالتالي يكون لهذا الابتكار الأثر والفائدة المطلوبة سواء كانت مدنية أو عسكرية "دفاعية"، وكذلك فإن كثيرا من المخترعين تنقصهم الخبرة في كيفية عمل المنظومة من بداية الحاجة إلى هذا الاختراع إلى نهاية التصنيع والإنتاج، وما الخطوات Process اللازمة لذلك، إضافة إلى ذلك عدم تمكن كثير منهم من القدرة على تحويل أفكارهم واختراعاتهم وكيفية تصميم نماذجهم الصناعية بالصيغة المطلوبة لدى الهيئات الخاصة بالملكيات الفكرية، وكذلك عدم قدرة بعضهم أيضا على تسجيلها لارتفاع التكاليف الخاصة بالرسوم والفحص وإصدار وثائق الملكية، وإن تم التسجيل تكون هنالك عقبة أخرى، وهي تأخر الردود حول بعض هذه الاختراعات؛ تصل إلى أعوام ما يفقد الاختراع أهميته مع تقادم الوقت، وأيضا عند صدور الشهادة الخاصة بالملكية الفكرية لا تتوافر الجهات التي تتبنى "الحاضنات" لهذه الاختراعات والخروج بها كابتكارات وطنية، لعدم وجود رابط بين هذه الجهات يسهل عملية التواصل والاستفادة من هذه الابتكارات.
ومن التحديات أيضا تلك التي تواجهها بعض المجتمعات، إما نقص الموارد والدعم والبنية التحتية وإما نقص ثقافة الابتكار، وبالتالي يكون هنالك تحد كبير بين السلطة العليا المنظمة والمجتمع وكيفية نشر هذه الثقافة التي تبدأ من الأساس من الوسط الإعلامي وما يشمله من وسائل تواصل اجتماعي وخلافها. ولعل العامل المهم في ذلك كله هو البيئة التعليمية بشكل أساس، وكيفية تأسيس مادة الابتكار لدى النشء وتهيئته ليكون جيلا ذا قدرة على التفكير والإبداع والتطوير، حيث لا بد أن تشتمل المناهج التعليمية والتدريبية على الطرق الخاصة بالابتكار والإبداع والقدرة على التفكير والتحفيز لحل المشكلات Critical thinking، إضافة إلى توافر الإمكانات من معامل وأجهزة وأدوات خاصة بذلك، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى وقت طويل وعزيمة وصبر، وفرق عمل متخصصة وأن تكون هناك مؤشرات أداء Key Performance Indicators: KPIs قابلة للقياس، كونها إحدى الوسائل المهمة للقيادة المنظمة للتأكد من مدى النجاح في تحقيق الأهداف المنشودة، على غرار القاعدة التي تقول "ما يتم قياسه قد تم إنجازه".
لدينا كثير من المواهب والعقول التي تحتاج إلى اكتشاف ورعاية، في الجامعات والكليات الفنية والمهنية، وغيرها، ويؤكد ذلك ما يحققه عديد من أبناء هذا الوطن من جوائز دولية وشهادات قيمة في أكثر من محفل دولي في مختلف التخصصات، ولعل الدور الذي تقوم به مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، بالتعاون مع وزارة التعليم، على سبيل المثال، خير دليل على ذلك، حيث من أولويات أهدافها اكتشاف ورعاية الموهوبين والمبدعين في المجالات العلمية ذات الأولوية التنموية، والنتائج التي تم تحقيقها تدعو إلى الفخر والاعتزاز بأبناء هذا الوطن المعطاء، وهناك عديد من مراكز الأبحاث الوطنية مثل تلك الموجودة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية وغيرها، تزخر بمجموعة من العلماء والمهندسين والفنيين الباحثين والمطورين، المخترعين والمبتكرين في الوقت نفسه، إضافة إلى وجود عديد من المبتعثين المميزين في كثير من الجامعات في عديد من التخصصات المهمة، وضرورة الاستفادة منهم، حيث إن الدور لا ينتهي إلى هذا الحد أي بمجرد الاكتشاف، بل لا بد من الحرص على أن يكون هناك استقطاب وإشراك لتلك العقول، والسعي إلى تكوين مجموعات متماثلة من المبتكرين والعلماء الباحثين المميزين لكل مجال منها - على سبيل المثال - لهذه المجموعات "الهندسية، الطبية، الدفاعية، البرمجيات، وغيرها"، وتوفير وتهيئة البنية والبيئة البحثية المناسبة من كل النواحي، سواء المادية منها أو اللوجستية والدعم والمكافآت وغيرها، والعمل على ربط هذه المجموعات مع الهيئات التشريعية والتصنيعية وغيرها من الهيئات البحثية لضمان سير وتناغم المنظومة بشكل محدث ومستمر، ما يوفر الترابط والتكامل لجميع حلقات ومسارات الابتكار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي