تحدي سلاسل الإمداد

خلال الاجتماع الأخير لمجلس «الاقتصاد والتنمية» تحدث ولي العهد، في التفاتة مهمة، عن سلاسل الإمداد. ربما المملكة لا تختلف عن توجه عالمي في تعميق الوطنية الاقتصادية. سلاسل الإمداد هي المراحل والخطوات الإنتاجية التي تسبق المنتج الأخير. عمليا هذا تعريف مفتوح، لأن كل منتج له ما يسبقه، وهذا عادة يعتمد على درجة تعقيد المنتج الأخير. التحدي يختلف حسب نقطة البداية، فدولة كبيرة متقدمة صناعيا وأكثر تكاملا اقتصاديا، كأمريكا، تختلف عن دولة صغيرة أخرى، لكن أيضا الدول الصغيرة تختلف حسب أنماط علاقاتها، فهناك دول أوروبية جزء من الاتحاد الأوروبي، فهذه تختلف جذريا عن دول في أقاليم من العالم لم يعرف عنها تعاون وتكامل رصيد، بل في الأغلب أنماط من العلاقات لا تخدم الروح التعاونية أو حتى أحيانا مستوى الثقة ضعيف.
التحدي لاقتصاد بحجم الاقتصاد الوطني ودرجة تعقيده كبير وأيضا فرصه، إذ إن منظار سلاسل الإمداد يمدنا بخريطة تخدم المخطط لعدة أعوام على الأقل. لكن أيضا لا يمكن اختزال قرار التخطيط الاقتصادي والصناعي في سلاسل الإمداد. لذلك لا بد من توازن في الطرح ومرونة في الإدارة، لأن المبالغة في الاهتمام بجانب في الأغلب مكلفة اقتصاديا. ربما المدخل الأمثل لتحديد خريطة طريق للتعامل مع سلاسل الإمداد، لا بد أن نبدأ من الضبط المالي، وتحديد أنواع الاحتياجات لأن هناك تكاملا عمليا بين الملاءة المالية وسلم الاحتياجات. قبل الدخول عمليا الأفضل أن تكون هناك ثلاثة أنواع من الاحتياجات. هناك احتياجات ضرورية، مثل الغذاء والماء والصحة والسلاح، وهناك سلع تصنيعية تختلف في سلم الاحتياجات ودرجة الضرورة. وأخيرا هناك أنواع من الخدمات المتنوعة التي تندرج فيها التواصل التجاري والعلمي والبشري لتكامل الكفاءة المجتمعية. تقييم درجة التقدم والكفاءة والمرونة في كل حزمة من الاحتياجات اختبار جيد في التخطيط الاقتصادي. أحيانا الظروف تضغط للاهتمام بجزئية، كما حدث مع أزمة كورونا، بالتفكير عمليا في الأدوية والأجهزة الطبية. فهذه سلسلة طويلة لن نتمكن منها في أعوام قليلة، لكن المهم أن نواصل التقدم بالبناء المعرفي والتخرج من شراء المعرفة إلى تكوينها. فمثلا تأسيس منصة علمية متكاملة لصناعة الدواء سيمكننا من التعاون مع كبرى شركات الأدوية العالمية والسرعة في استغلال فرصة صناعة الأدوية التي تنتهي براءة الاختراع لها. هناك صناعات أخرى، مثل الطائرات المسيرة، تحتاج إلى برامج عاجلة ومؤثرة لاستكمال سلاسل الإمداد. هناك سلاسل أخرى، مثل خدمات الصناعة النفطية الأخرى، أن نكون مصدرا لها بعد طول التجربة والتفوق في إنتاج النفط. لحسن الحظ لدينا هيئة مستقلة لمتابعة سلاسل الإمداد ممثلة بهيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية. الهيئة قادرة على رسم الخريطة وتحديد المسارات والقياس الموضوعي ومسلحة بالنظرة الاقتصادية الفاحصة والمسعى العلمي الممنهج. تطوير النموذج سيسهل تطبيقه على صناعات جديدة، مثل صناعات الفضاء والموصلات الإلكترونية وغيرها.
لن نستغني عن السلاسل العالمية لكن من الضروري التفكير في سلاسل الإمداد الوطنية مع مراعاة الممكن اقتصاديا والأكثر مرونة والحد الأدنى من الاكتفاء. عملية التطور الاقتصادي أحيانا تخضع للمصادفة التي تكتشف من العمل والتجريب، لذلك من تطوير سلاسل الإمداد ممكن أن نكتشف ميزة نسبية في إحدى الصناعات أو درجة من التعاون إقليميا أو ربطا مع إحدى الشركات العالمية. اهتمام ولي العهد، تعبير عن أهمية سلاسل الإمداد ومركزيتها في القرار الاقتصادي والتخطيط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي