«العشرين» والتطورات الاقتصادية المعاكسة «2 من 3»
سيحتاج معظم البنوك المركزية إلى مواصلة تشديد السياسة النقدية على نحو حاسم. ويزداد هذا الأمر إلحاحا، خصوصا في الحالات التي بدأت فيها التوقعات التضخمية تنفلت عن الركيزة المستهدفة. ودون اتخاذ إجراء للمواجهة، يمكن أن تدخل هذه الدول في دوامة تصاعدية مدمرة تتعاقب فيها زيادات الأجور والأسعار، ما سيتطلب مزيدا من التشديد النقدي القوي، ومن ثم يلحق ضررا أكبر في النمو والتوظيف. أما التحرك الآن، فسيكون أخف ضررا من الانتظار لوقت لاحق.
وتعلق أهمية مماثلة على الإفصاح الواضح عن هذه الإجراءات على صعيد السياسات، والهدف منه هو المحافظة على مصداقية السياسة في ظل تنامي المخاطر المعاكسة. فعلى سبيل المثال، من شأن استمرار مفاجآت التضخم أن تتطلب تشديد السياسة النقدية بدرجة تتجاوز المستويات التي تحسبت لها السوق، ما قد يسفر عن مزيد من التقلب والموجات البيعية في أسواق الأصول ذات المخاطر والسندات السيادية. ويمكن أن يؤدي هذا بدوره إلى خروج مزيد من تدفقات رأس المال من الاقتصادات الصاعدة والنامية.
وتزامن ارتفاع سعر الدولار بالفعل مع تدفقات محافظ الاستثمار الخارجة من الأسواق الصاعدة، حيث شهدت هذه الأسواق شهرا رابعا على التوالي من التدفقات الخارجة في حزيران (يونيو)، وهي أطول فترة على هذا النحو منذ سبعة أعوام، ما يفرض ضغطا إضافيا على الدول الضعيفة. وفي الدول التي تتعرض لصدمات خارجية شديدة الإرباك لدرجة يتعذر استيعابها من خلال أسعار الصرف المرنة وحدها، ينبغي لصناع السياسات أن يكونوا مستعدين للتحرك. ويتأتى ذلك، على سبيل المثال، من خلال التدخلات في سوق الصرف الأجنبي أو تدابير إدارة تدفقات رأس المال في سيناريو الأزمة ـ للمساعدة على تثبيت التوقعات. إضافة إلى ذلك، ينبغي لهذه الدول أن تخفض، على نحو وقائي، من اعتمادها على الاقتراض بالعملة الأجنبية متى كانت مستويات دينها مرتفعة. وكانت مساعدة الدول على التصدي لمثل هذه الظروف هي الغرض من قيامنا أخيرا بتحديث رؤية صندوق النقد الدولي المؤسسية بشأن هذه المسألة. ويواصل الصندوق تكثيف الجهود لخدمة الدول الأعضاء بسبل أخرى أيضا، منها تقديم المشورة بشأن إدارة الأصول الاحتياطية، والمساعدة الفنية لتعزيز الإفصاح العام من جانب البنوك المركزية. ويجب أن يكون الهدف هو الوصول الآمن بالجميع إلى الضفة الأخرى من دورة تشديد السياسات.
ثانيا، على سياسة المالية العامة أن تساعد ـ لا أن تعوق ـ جهود البنك المركزي لتخفيض التضخم.
فالدول التي تواجه مستويات دين مرتفعة ستحتاج إلى تشديد سياسة المالية العامة أيضا. وسيساعد هذا على تخفيف عبء الاقتراض ذي التكلفة المتصاعدة، كما سيمثل ـ في الوقت ذاته ـ عنصرا مكملا لجهود ترويض التضخم المبذولة من خلال السياسة النقدية. وفي الدول التي بلغ فيها التعافي من الجائحة مرحلة متقدمة، سيساعد التحول عن الدعم الاستثنائي الذي تقدمه المالية العامة على الحد من الطلب وبالتالي تخفيف ضغوط الأسعار.غير أن هذا جزء من القصة وحسب. فبعض الناس سيحتاجون إلى دعم أكبر وليس أقل... يتبع.