السياسة المالية والعودة إلى الأساسيات «2من 2»

لا أحد يستطيع أن ينكر بعض المنطق في الإبقاء على السياسة النقدية والسياسة المالية على أهبة الاستعداد للتوسع كوثيقة تأمين ضد احتمالات تزايد شدة الجائحة أو اندلاع أزمة أخرى، كما حدث في واقع الأمر عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية. مع ذلك، بات من المحتم الآن تحمل تكلفة هذا النهج، في هيئة ضغوط تضخمية متزايدة الشدة وتضاؤل القدرة على الاستجابة لصدمات العرض التي أشعلت الحرب شرارتها. ومن الواضح أن أولئك الذين زعموا أن ارتفاع التضخم بشكل كبير أمر مستبعد تماما كانوا يدفنون رؤوسهم في الرمال.
لكن ماذا ينبغي لنا أن نفعل مع ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو بشكل ملحوظ؟ أولا، يجب أن ترتفع أسعار الفائدة، لكن يبدو أن القائمين على البنوك المركزية وصندوق النقد الدولي متحمسون بشكل مفرط إزاء الوتيرة التي ينبغي أن يحدث بها ذلك. ليس من الواضح على الإطلاق أن الفوائد المترتبة على خفض التضخم إلى المستوى المستهدف، ولنقل بحلول نهاية 2023، تستحق المجازفة الخطيرة بجلب ركود عميق آخر، خاصة مع استمرار التأثيرات التي خلفتها الجائحة الأخيرة والأزمة المالية التي لا تزال حاضرة في الأذهان.
ثانيا، هيمنت على مناقشة السياسة المالية لفترة طويلة نداءات التحذير والإنذار التي يطلقها خبراء يعدون بأن أسعار الفائدة الحقيقية لن ترتفع أبدا، وبأن الإنفاق بالعجز سيكون بمنزلة وجبة غداء مجانية. الواقع أن النظرية النقدية الحديثة تشكل تمثيلا متطرفا لهذا الرأي، لكنها لا تختلف كثيرا عن اعتقاد بعض خبراء الاقتصاد من التيار السائد بأن الدين العام من الممكن أن يصبح أكبر كثيرا دون أي عواقب سلبية.
تتلخص الطريقة الصحيحة التي ينبغي للحكومات من خلالها توزيع الدخل على أساس مستدام، إذا كان هذا هو الهدف، في زيادة الضرائب على الأفراد الأعلى دخلا وزيادة التحويلات إلى الشرائح الأدنى دخلا "خاصة ذوي الدخل المنخفض للغاية" من السكان. وأصابت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، عضو الكونجرس الأمريكي من الحزب الديمقراطي، عندما ارتدت فستانا صارخا حمل عبارة "افرضوا الضرائب على الأثرياء" في حفل Met Gala في 2021، وإن كان من الواجب عليها أن تضيف إلى ذلك الشعار "والطبقة المتوسطة العليا".
يتعين على المحافظين أن يتقبلوا حقيقة مفادها أن الضرائب الأعلى على الأفراد ذوي الدخل المرتفع والدخل المتوسط الأعلى ليست عادلة فحسب، بل إنها ضرورية أيضا لتحقيق التماسك الاجتماعي. صحيح أن الكفاءة والدينامية الاقتصادية من الفضائل الأساسية التي يتسم بها النظام الأمريكي، التي تشكل جزءا رئيسا من السبب وراء استمرار قدرة الغرب على منافسة الصين وروسيا في مجالات أساسية مثل التكنولوجيا. لكن شبكة الأمان الاجتماعي المنقوصة والفشل في فرض الضرائب على النخب الاقتصادية بمعدل مناسب يهددان بتدمير النموذج الأمريكي من الداخل.
يجب أن تعود السياسة المالية إلى الأساسيات، وتجب إعادة معايرتها وضبطها. لقد تبين بوضوح مدى إفلاس الحجة القديمة التي تزعم أن الحافز المالي الكينزي هو الحل لكل صدمة اقتصادية يمكن تخيلها. ومع ذلك، عند هذا المنعطف، يجب أن تـدار عملية إعادة ضبط سياسة الاقتصاد الكلي تدريجيا إذا كنا راغبين في تجنب الركود العميق.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي