استمرار السطوة رغم الكبوة «1 من 3»

الدولار الأمريكي قد يتعرض لكبوة، لكنه سيواصل إحكام سيطرته على العالم، وربما يوشك النظام النقدي الدولي على أن يشهد تغيرات حاسمة نتيجة مزيج من القوى الاقتصادية والجغرافية - السياسية والتكنولوجية. لكن لا يزال السؤال مطروحا حول ما إذا كانت هذه العوامل ستؤدي إلى تنحي الدولار الأمريكي عن مركزه باعتباره العملة الدولية المهيمنة خلال الجزء الأكبر من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وستكون لهذه القوى انعكاسات كبيرة على تطور النظام العالمي، نظرا إلى أن القوة المالية من أهم جوانب القوة الناعمة. ويهيمن الدولار على جميع جوانب النظام المالي العالمي. وتستثمر البنوك المركزية حول العالم نحو 60 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي، التي تمثل في الأساس احتياطيات لمواجهة الخسائر المستقبلية، في أصول مقومة بالدولار. كذلك يستخدم الدولار في تقويم أغلبية المعاملات المالية الدولية وتسويتها.
وهذا التأثير المهيمن للدولار يمنح الولايات المتحدة درجة كبيرة من القوة والنفوذ. فنظرا إلى أن المعاملات التي يستخدم فيها الدولار دائما ما يكون النظام المصرفي الأمريكي طرفا فيها، يمكن للحكومة الأمريكية توقيع عقوبات صارمة على الدول، مثل إيران وروسيا، تحد من قدرتها على النفاذ إلى أسواق التمويل العالمية. ويعني ذلك أيضا أن السياسات المالية والنقدية للحكومة الأمريكية تؤثر في باقي العالم، نظرا إلى تأثيرها في قيمة الدولار. ويتيح ذلك للولايات المتحدة دورا أكبر من وزنها في إجمالي الناتج المحلي العالمي والتجارة، وهو ما كان دائما يثير استياء خصومها وحلفائها على حد سواء.
مسألة التغيير مقبلة حيث هناك تغيرات في الوقت الحالي قد تسهم في تقويض هذه السطوة، إذ يستمر تراجع الهيمنة القوية للولايات المتحدة على الاقتصاد. وفي الوقت الحالي، يمثل الاقتصاد الأمريكي نحو 25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي "على أساس أسعار الصرف السوقية" مقابل 30 في المائة في 2000. فعلى مدار أكثر من عقدين، تحول مركز القوى الاقتصادية تدريجيا بالفعل، مقيسا بأنصبة الناتج العالمي والتجارة العالمية، في اتجاه اقتصادات الأسواق الصاعدة بقيادة الصين.
كذلك يسهم ظهور العملات الرقمية، الخاصة والرسمية، في زعزعة النظم المالية المحلية والدولية. لننظر في المدفوعات الدولية على سبيل المثال. فهي تنطوي على عملات متعددة، ونظم مدفوعات تحكمها بروتوكولات مختلفة، ومؤسسات تخضع لقواعد تنظيمية متباينة. لذلك دائما ما كانت المدفوعات عبر الحدود بطيئة وعالية التكلفة، فضلا عن صعوبة متابعتها بصورة آنية. أما في الوقت الحالي، فقد أصبحت التكنولوجيات الجديدة التي استحدثتها ثورة العملات المشفرة تتيح إجراء المدفوعات وتسوية المعاملات بصورة لحظية وبتكلفة أقل.
حتى البنوك المركزية أصبحت طرفا في اللعبة، حيث تستغل التكنولوجيات الجديدة لزيادة كفاءة آليات الدفع والتسوية التي تستخدمها المؤسسات المالية المحلية في تنفيذ المعاملات عبر الحدود. وهناك تعاون حاليا في هذا المجال بين البنوك المركزية في الصين ومنطقة هونج كونج الصينية الإدارية الخاصة وتايلاند والإمارات، فضلا عن التعاون بين مجموعات أخرى من البنوك المركزية في مجالات مماثلة... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي