الغرب .. العنصرية والشوفينية تفور تحت السطح
أثناء توليه منصب رئيس الوزراء في المجر، تـلـفـظ فيكتور أوربان بعديد من العبارات السخيفة المشؤومة. لكن خطابه الأخير، الذي زعم فيه أن الأوروبيين لا يريدون العيش في دول "مختلطة الأعراق" ـ وأن أي دولة أوروبية سمحت باختلاط سلسلة نسبها بأعراق أخرى "لم يعد ينطبق عليه وصف أمة" ـ يـنـم بكل تأكيد عن مستوى غير مسبوق من التدني. في خطابه، أعلن أوربان أن المجريين كانوا على استعداد "للاختلاط" اجتماعيا مع غيرهم لكنهم "لا يريدون أن يتحولوا إلى عـرق مختلط". وبدلا من أن يـنـبـذ بسبب نهجه العنصري، ألقى أوربان الخطاب الأساسي في مؤتمر العمل السياسي المحافظ، الذي يـعـد التجمع الرئيس لليمين الأمريكي في دالاس.
جاء خطاب أوربان في لحظة من الصراحة غير المعتادة من جانب رئيس الوزراء المجري الذي حاول على مدار الأعوام الـ12 الأخيرة إخفاء ميله إلى تأجيج المشاعر العنصرية ومعاداة السامية. وفقا لنينا إل. خروتشوفا، أستاذ الشؤون الدولية في المدرسة الجديدة، المؤلف المشارك "مع جيفري تايلر" لكتاب على خطا بوتين، البحث عن روح إمبراطورية عبر المناطق الزمنية الـ11.
في روسيا "القديس. مطبعة مارتن، 2019". كانت التعليقات التي أدلى بها رئيس الوزراء المجري أثناء اجتماع مع أعضاء الجالية المجرية في رومانيا بغيضة إلى الحد الذي جعل مستشارته جوجا هيجيدوس التي لأزمته لفترة طويلة تعلن استقالتها بعد 20 عاما بجانبه.
تحدثت هيجيدوس بصراحة ودون مواربة في التعليق على خطبة أوربان الطويلة. وقد استنكرت هيجيدوس، وهي ابنة أسرة ناجية من الهولوكوست "المحرقة"، خطاب أوربان واصفة إياه بأنه "نص نازي خالص" وأنه "يـضـارع خطب جوبلز". في حين كان يعلن أوربان إدانته لخطط الاتحاد الأوروبي الجديدة لتقليص ورادات الغاز الطبيعية من روسيا، وجـد أوربان السبيل ليأتي بنكتة حول غـرف الغاز النازية ـ "يـعـرف الألمان كثيرا عن ذلك" ـ وهو التعليق الذي أسهم بلا شك في القرار الذي اتخذته هيجيدوس بالانفصال عنه.
طوال قسم كبير من العقد الماضي، كان قادة اليمين المتطرف العالمي من أمثال أوربان مكتفين بالإعراب عن عنصريتهم الفطرية المتأصلة من خلال كلمات مستترة، وتلميحات، وغمزات. لكن الشعبويين الأكثر انضباطا من أمثال مارين لوبان في فرنسا بذلوا جهودا كبيرة للتهرب من ماضي حركاتهم العنصري الفاشي. في حالة لوبان، كان ذلك الماضي من صنع والدها الذي دأب على تأجيج المشاعر العنصرية، جان ماري لوبان، جندي المظلات السابق في الحرب الجزائرية ومـنكـر المحرقة الـمـدان. عند توليها قيادة "الجبهة الوطنية" من والدها، أعادت مارين لوبان تسميتها لتصبح "التجمع الوطني"، وهو الاسم الذي يسعى إلى استحضار ذكريات شارل ديجول بدلا من بينيتو موسوليني.
لكن من الواضح أن القادة الشعبويين لم يعد يخالجهم أي شعور بالحاجة إلى إخفاء عنصريتهم في محاولة الوصول إلى السلطة. فلم تضطر جيورجيا ميلوني، الزعيمة الكاريزمية التي تتولى قيادة حزب إخوة إيطاليا الذي يصف نفسه على أنه حزب "ما بعد الفاشية" ـ والمرشحة المفضلة حاليا لشغل منصب رئيس وزراء إيطالياـ إلى تكليف نفسها عناء استخدام كلمات رمزية مستترة لطمأنة الناخبين العنصريين لأن حزبها يمكنه تتبع سلسلة نسبها إلى موسوليني. وهي لهذا تقدم نفسها على أنها مـغـيـرة ديناميكية للقواعد، وتغازل الإيطاليين الذين أنهكهم التدهور الاقتصادي الذي ألـم ببلدهم والأعذار التي تسوقها المؤسسة السياسية عن هذا التدهور، في حين تروج لآراء متطرفة مناهضة للهجرة.
في الولايات المتحدة، تتجلى العنصرية الصريحة ومعاداة السامية بوضوح تام. أعلن الرئيس السابق، "هناك أناس رائعون للغاية، على الجانبين"، وذلك في أعقاب المسيرة القومية البيضاء في 2017 في شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا حيث هتف نازيون جدد يحملون المشاعل "لن يحل اليهود محلنا"، ويتخذ أتباعه مواقف أشد صراحة.
لنتأمل هنا حالة دوج ماستريانو، المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية بنسلفانيا. ماستريانو قومي مسيحي أبيض لا يعرف الخجل. الواقع أن هذا الرجل من أشد المتحمسين لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، وهو من الذين انضموا في حقيقة الأمر إلى الغوغاء الذين ساروا إلى مبنى الكابيتول "مقر الكونجرس الأمريكي" في السادس من كانون الثاني (يناير) 2021. "سارع ماستريانو إلى الزعم بأنه لم يقتحم مبنى الكابيتول، لكن الاحتقار الذي أظهره للديمقراطية الأمريكية في ذلك اليوم لا يزال مهما، حيث يتمتع حـكـام الولايات الأمريكية بقدر كبير من السلطة يسمح لهم بالتحكم في كيفية إدارة الانتخابات في ولاياتهم".
ليس من المستغرب إذن أن تبدو حملة ماستريانو كحاكم ولاية أشد إرباكا وتعزيزا للانقسامات. يـقال إنه يرفض التحدث إلى الصحافيين والمؤسسات الإعلامية غير المسيحية صراحة، وأوردت بعض تقارير أنه دفع لـGab، وهي منصة وسائط التواصل الاجتماعي المعروفة كملاذ للقوميين من ذوي البشرة البيضاء ـ التي يـعـد مؤسسها وزعيمها، أندرو توربا، أحد أبرز المعادين للسامية في أمريكا ـ مقابل خدمات "استشارية". يبدو أن ماستريانو حاول استخدام Gab لحشد الدعم السياسي بين الناخبين المنتمين إلى اليمين المتطرف الذين قد يساعدونه على إلحاق الهزيمة بخصمه الديمقراطي جوش شابيرو، الذي تصادف أنه يهودي.
وراء القسم الأعظم من خطاب "الانتخابات المسروقة" تكمن فكرة مفادها أن الأقليات هي المصدر الرئيس لكل العلل التي تقض مضاجع أمريكا. حتى إن بليك ماسترز، الرأسمالي الاستثماري السابق وتلميذ الملياردير اليميني بيتر ثايل، الذي فاز بترشيح الحزب الجمهوري لعضوية مجلس الشيوخ الأمريكي في ولاية أريزونا هذا الشهر، يـلقي باللوم على الأقليات ليس فقط عن خسارة ترمب الانتخابية بل وأيضا عن العنف المسلح.
ترى هل كان هذا المزيج من العنصرية والشوفينية ومعاداة السامية موجودا دائما، يفور تحت السطح في انتظار شخص ليعطيه الضوء الأخضر؟ أو أنه كان نتيجة لتحول أشد عـمقا؟ الواقع أن الحروب الثقافية، التي استغلها اليمين فترة طويلة للحصول على ميزة انتخابية وأجج لهيبها أمثال روبرت مردوخ لتعزيز أرباحهم، ربما سممت عددا كبيرا من العقول.
في كل الأحوال، يبدو أن الشعبويين اليمينيين أسقطوا أخيرا قناع الاحترام. ومن خلال إظهار أوراقهم العنصرية، يكشفون عن القوى الحقيقية التي تنفخ الحياة في حركاتهم.