المواجهة الإعلامية في الحرب الروسية - الأوكرانية معركة أخرى

المواجهة الإعلامية في الحرب الروسية - الأوكرانية معركة أخرى
تركز الدعاية الغربية على التقليل من قوة المعدات العسكرية الروسية.

تمارس وسائل الإعلام ومراكز الدراسات الغربية أدوارا بارزة في تغطية الحرب الروسية في أوكرانيا، مستهدفة معنويات الشعب والجيش الروسيين على حد سواء، لتحقيق غايتها بإفشال حزمة الأهداف العسكرية والسياسية، التي وضعتها القيادة الروسية في أوكرانيا، حيث تمتاز المواجهة الإعلامية الروسية الغربية بعدم التكافؤ كما هي الحال بين القوات الروسية والأوكرانية في ساحات المعارك، فلا مقارنة بين ماكينة الإعلام الروسية وبلدوزر الإعلام الغربي القادر على تحقيق أهدافه بعيدا عن الوقائع على الأرض، كما سبق أن حدث بالترويج للدعاية الأمريكية، التي استهدفت غزو العراق 2003 بحجة أسلحة الدمار الشامل، ليركز الإعلام الغربي أهدافه على عدة محاور، أبرزها الفشل الاستخباراتي والعسكري، إضافة إلى التركيز على عامل الزمن.
تقود وسائل الإعلام الروسية حملة إعلامية تقليدية في تغطية أحداث العمل العسكري على أوكرانيا، حيث أشارت أحدث أرقام المشاهدة التلفزيونية إلى أن الجمهور الروسي قد "سئم" من كثافة وتكرار المحتوى المرتبط بالتدخل في أوكرانيا على وسائل الإعلام، التي تديرها الدولة الروسية، ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "موسكو تايمز"، مقرها روسيا، أظهر استطلاع حديث أجراه مركز Rosmir المستقل أن ربع المشاهدين الروس يقومون بإيقاف تشغيل أجهزة التلفزيون الخاصة بهم لتجنب دعاية الكرملين المؤيدة للحرب على المحطات التي تديرها الدولة مثل "القناة الأولى" وقناة "روسيا 1" وNTV.
وقال 65 في المائة من المشاركين في الاستطلاع "إنهم يشاهدون محطات التلفزيون التي تديرها الدولة، بعد ستة أشهر من بداية التدخل الروسي في أوكرانيا في فبراير الماضي، وهذا الرقم يمثل انخفاضا حادا عن نسبة 86 في المائة من المستطلعين، الذين قالوا إنهم كانوا يشاهدون محطات تلفزيونية تديرها الدولة في بداية الحرب"، ودأبت محطات التلفزيون الحكومية الروسية وضيوف برامجها المؤيدون للكرملين على نشر والدفاع عن موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعن حق موسكو بالتدخل عسكريا في الدولة المجاورة.
وكان مقدمو البرامج التلفزيونية والضيوف قد وجهوا من على هذه القنوات تهديدات ضد الدول الغربية وحذروا من رد فعل روسيا بإطلاق أسلحة نووية ضد أوكرانيا والغرب في حال استفزازها، وأضاف الاستطلاع أن "55 في المائة فقط من الروس يؤيدون الحرب مقارنة بـ66 في المائة قبل بضعة أشهر"، وقد لا تعكس هذه البيانات المقدار الفعلي للدعم الشعبي للحرب في روسيا، حيث قد يخفي عديد من المشاركين مشاعرهم الحقيقية خوفا من رد فعل السلطات.
من جهة أخرى، تعد موسكو مثل هذا النوع من الدراسات أحد أنواع التضليل لإضعاف معنويات الشعب الروسي، وإيجاد فجوة في الموقف ما بين القيادة الروسية وشعبها، فيما يعد الشعب الروسي الشعب الأوكراني يشاركه اللغة والدين وأنهما ينبعان من عرق واحد هو العرق "السلافي" الذي تسير دماؤه في عروق الشعبين، كما أن هذه المزاعم أحد الأسباب، التي اعتمدتها الدعاية الروسية في تدخلها في أوكرانيا، التي ترغب قيادتها في الانسحاب من المعسكر الشرقي كليا والارتماء في أحضان الرأسمالية الغربية، التي سرعان ما خذلتها بعد تركها وحيدة أمام آلة الحرب الروسية.
إلى ذلك، تركز الدعاية الغربية على عامل الزمن، الذي تروج من خلاله بأن موسكو خسرت رهانها بإنهاء الحملة العسكرية في مدة زمنية قصيرة، بسبب المقاومة الأوكرانية المفاجئة، التي راح ضحيتها أكثر من نحو ثمانية آلاف مقاتل أوكراني، أفشلوا حتى اللحظة مخططات القيادة الروسية على الأرض، التي أجبرت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تغيير القادة الميدانيين أكثر من مرة، فيما تقول موسكو إن سبب عدم حسم المعركة حتى يومنا هذا لحماية أكبر عدد من المدنيين.
وفي السياق ذاته، تركز الدعاية الغربية على التقليل من قوة المعدات العسكرية الروسية، باتهامها بأنها ليست ذات جدوى على أرض الواقع كما كان يروج لها من قبل هيئة الصناعات العسكرية الروسية، نافية تفاخر الرئيس الروسي بأن الأسلحة الروسية تتقدم بعقود على الأسلحة الغربية المنافسة، الذي سبق أن هدد بأن بلاده ستقدمها إلى الحلفاء، وذلك في خطاب ألقاه في معرض للأسلحة في موسكو، شاركت فيه وفود من أكثر من 70 دولة في معرض "الجيش 2022" للاستفادة من الصفقات الجيدة على المعدات العسكرية الروسية.
لكن الدعاية الغربية تروج إلى أن بعض الوفود أعربوا عن قلقهم بشأن أداء الأسلحة الروسية الضعيف نسبيا كما ظهر في الحرب الأوكرانية، ويقول محللون عسكريون غربيون "إن الأداء الضعيف للقوات والأسلحة الروسية قد يجعل صادراتها أقل جاذبية للمشترين المحتملين"، وكان حلفاء قدامى لروسيا مثل الهند ومصر يعتمدون بشكل كبير على التكنولوجيا الروسية في الماضي، لكن هذه الدول بدأت تدير ظهرها للسلاح الروسي.
وذكرت وكالة "بلومبيرج" أن الهند والصين ومصر شكلت ما يقرب من ثلثي مبيعات الأسلحة الروسية من 2017 إلى 2021، غير أن التطور البطيء للطائرات بدون طيار المنافسة "في إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة وغيرها"، إضافة إلى تدمير كميات هائلة من دبابات "تي 90" بسهولة أرسل إشارات مقلقة إلى الشركاء الثلاثة.
أما على الصعيد الاستخباراتي، فركزت الدعاية الغربية هجماتها باتهامها الاستخبارات الروسية بالفشل، فعلى الرغم من تخطيطها لكل شيء، فشلت في إنتاج توقع تقريبي لنتائج الحرب، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، كان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي FSB يعلم أن الجيش الروسي لن يكون محل ترحيب من قبل الأوكرانيين ولن ينظر إليه أبدا كـ"محرر" كما تقول الدعاية الروسية، لكنه مع ذلك اقترح ودعم خطة الحرب، جهاز الأمن الفيدرالي ومديرية المخابرات الرئيسة GRU خططا لكل التفاصيل وأدقها، وبينها مثلا، كما تقول الصحيفة، الكيفية التي سيستقر بها عناصرها في كييف في شقق الجواسيس الأوكرانيين، الذين أمروا بمغادرة البلاد وترك المفاتيح على الأبواب. وتأتي هذه المعلومات من تسريبات حصلت عليها المخابرات الأوكرانية لمراسلات بين إدارة المعلومات التشغيلية التابعة لـFSB وعملائه في أوكرانيا، وبدءا من 2019، كان القسم المسؤول عن أوكرانيا داخل الجهاز قد زاد عدده من 30 ضابطا إلى 160 ضابطا، وإنه كان يملك شبكة واسعة من العملاء داخل جهاز الأمن الأوكراني.
وكان استطلاع للرأي أجرته شركة Research & Branding في أبريل 2021 قال إن "84 في المائة، من الأوكرانيين سيعدون أي تقدم من قبل القوات الروسية بمنزلة "احتلال" بينما عد 2 في المائة، فقط هذا السيناريو بمنزلة "تحرير"، يقول محللون إن "السبب وراء تلك الرقام المتباينة بين الجانبين يعود إلى الخوف أو إلى الحسابات السياسية الداخلية المعقدة، فيما تستمر فصول المعركة الإعلامية المصاحبة للأعمال العسكرية، تقترب أيام الشتاء الباردة، التي من الممكن أن تنهي الحرب لمصلحة روسيا أو توسع من دائرة الاشتباك بين روسيا ودول أخرى".

الأكثر قراءة