الاسترليني والأربعاء الأسود وظله الممتد «2 من 2»

لم تتمكن عمليات الشراء الضخمة للعملة من جانب بنك إنجلترا من وقف تلك الموجة المزعجة. وفي حينها رفعت حكومة ميجور أسعار الفائدة مرتين، لكنها لم تكن على استعداد للمضي أبعد من ذلك. في ذلك المساء، ألغت الحكومة الزيادة الثانية في أسعار الفائدة، وأعلن لامونت أنها تعتزم تعليق مشاركة الاسترليني في آلية أسعار الصرف. وتكبد بنك إنجلترا بسبب فشله في الدفاع عن الاسترليني نحو ثلاثة مليارات جنيه استرليني "3.5 مليار دولار" ـ وأسقط ذلك حجر الزاوية في أجندة ميجور للسياسة الاقتصادية.
كانت العواقب بعيدة المدى. بالنسبة إلى بريطانيا، كان هذا بمنزلة الخذلان الأخير لنظام سعر الصرف المربوط الذي التزمت به وأعادت الالتزام به منذ 1717. واضطر بنك إنجلترا إلى تطوير استراتيجية بديلة للسياسة النقدية. في تشرين الأول (أكتوبر)، مع تبني نهج ابتكره بنك الاحتياطي النيوزيلندي، تحول بنك إنجلترا إلى استهداف التضخم، النظام الذي ظل قائما، في السراء والضراء، منذ ذلك الحين.
كان التخلي عن آلية أسعار الصرف يعني أن المملكة المتحدة لن تكون مؤهلة لليورو. وعد المسؤولون البريطانيون هذا نتيجة سعيدة، نظرا إلى تجربتهم الأخيرة المؤلمة مع السياسة النقدية المستوردة. لكن هذا كان يعني أيضا أن بريطانيا ستظل لها قدم واحدة في أوروبا وأخرى خارجها. وعزز هذا تناقض بريطانيا وجدانيا إزاء المشروع الأوروبي ـ وهو التناقض الذي تحول إلى رفض مع الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016.
من منظور دول أوروبية أخرى، أبرزت هذه التجربة الحاجة الملحة إلى استكمال مؤسسات اليورو. فقد أظهرت أن أسعار الصرف المربوطة بين العملات الوطنية كانت هشة، وأن البنك المركزي الألماني، إذا ترك له اتخاذ القرار، فلن يبادر إلى تصميم سياساته وفقا للاحتياجات الأوروبية الأوسع.
الواقع أن الأربعاء الأسود يعكس أيضا تأثير الاستفتاء الوشيك في فرنسا في معاهدة ماستريخت. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن المعاهدة، وهي الوثيقة التأسيسية لليورو، كانت في طريقها إلى الهزيمة ـ ليسقط اليورو معها. لكن بعد أربعة أيام، صوت الناخبون الفرنسيون لمصلحة المعاهدة، بعد أن رأوا للتو استعراضا للبديل.
على نحو أو آخر، لو لم تتخذ حكومة ميجور قراره المشؤوم بإدخال الجنيه الاسترليني في آلية أسعار الصرف، لم تكن أوروبا لتشهد نشوء اليورو. أما عن المملكة المتحدة ذاتها، فلا يسع رئيسة الوزراء ليز تروس إلا أن تأمل ألا يكون "الاحتفال" بالذكرى الـ30 للأربعاء الأسود، إعادة عرض لحدث اقتصادي ومالي مؤلم من الماضي.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي