شبح العطش يهدد إيران .. وأمن المنطقة الإيكولوجي أول المتضررين
تراجع إجمالي مخزون المياه في إيران بأكثر من 200 كيلومتر مكعب على مدى العقدين الأخيرين، بمقدار مسبح أولمبي لكل مواطن إيراني من الـ80 مليون الذين يعيشون هناك. المسببات لهذه الأزمة ليست ظواهر طبيعية، كما يروج لها النظام الإيراني منذ القدم، حيث يتمركز الخلل في سوء استخدام النظام موارد الدولة، وإدارتها بطريقة المحاصصة على مبدأ النفوذ والقرب من السلطة، لتسوغ هذه الظروف موجات جفاف وتصحر وسيول، كما أدت الممارسات الفاشلة إداريا في البلاد إلى إيجاد مزيد من التحديات المائية، في ظل ظروف صعبة في شتى مجالات الحياة التي تعيشها الأمة الإيرانية، نتيجة لتعنت مجموعة حاكمة فاسدة، تهدر موارد البلاد بكل أنواعها، لتنفيذ مخططات الباطل في المنطقة، والتدخل في شؤون الآخرين.
تتراكم المشكلات المائية في إيران، من خلال نموذج اقتصادي متهتك، يرى في الموارد الطبيعية مثل المياه سلعا ينبغي أن تستغل، من خلال الهندسة والتكنولوجيا، وانعكاسا لذلك، يحدث التدهور المائي مدفوعا بالسحب المفرط للمياه الجوفية، ما يعني أن استخدام المياه يفوق معدل تجددها الطبيعي بثلاث مرات، ما يسبب حالة جفاف ناجمة عن الأنشطة البشرية، ويتمثل الخطر في أن مياه إيران الجوفية القديمة تنضب من دون أن تتجدد.
انتكاسة الواقع الاقتصادي للشعب الإيراني دفعته إلى الاستخدام الجائر للمياه الجوفية، ما أدى - طرديا - إلى تراجع منسوب المياه، ما تسبب في مزيد من الضخ العشوائي من الأحواض المائية، وبالتالي أدى إلى ازدياد ملوحة المياه، إضافة إلى نقص محاصيل القمح، ما يلحق الضرر بالمزارعين من أصحاب الملكية الخاصة المحرومين المهمشين في عين النظام، ولأن الحالة الاقتصادية متردية اتجه قطاع الزراع إلى الاعتماد الذاتي، ما فاقم أزمة الآبار غير القانونية، التي تعد جزءا من المشكلة في مجملها، إلا أنها الحل الوحيد أمام المزارعين لكسب قوتهم، كما يزيد إقفالها من أزمة البطالة، التي تطول ملايين الشباب هناك، حيث تتجاوز معايير الدولة في التوظيف الإمكانات والمؤهلات العلمية، لتقتصر على الولاء للمؤسسة الدينية المحسوبة على النظام والمقربين منه.
وسبق أن أدت احتجاجات بسبب البطالة إلى إشعال فتيل الاضطرابات الاجتماعية، والخروج إلى الشوارع للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والعدول عن السياسات المعادية للعالم. فيما تعتمد الدولة الإيرانية على أنظمة قديمة مهترئة غير صالحة لتأدية متطلبات المرحلة، كم أنها غير مهتمة بتحديثها بحجة ضعف السيولة المالية لها، فيما ينفق النظام مدخرات الدولة المالية على أنظمة التسليح المحرمة دوليا، حيث تتراجع جودة المياه ونوعيتها خارج المناطق الحضرية، وتشهد تراجعا ملحوظا، وفي ظل بقاء هذه المشكلات من دون معالجة، يضطر فقراء المناطق الريفية للنزوح إلى المدن، حيث يقطن أساسا أكثر من 70 في المائة من الإيرانيين.
يعتمد النظام الإيراني على منهجية الترقيع سياسيا في إدارة البلاد، حيث يعتمد الحلول المؤقتة للتعامل مع الأزمات، التي تضمن بقاء الشعب صامتا لدرجة يسهل قمعها في حال أي تظاهرة شعبية، ما يجعله يتعامل مع أزمة المياه ببناء السدود لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو توفير الكهرباء على حساب المخزون المائي الجوفي، الذي يعد أحد العوامل المسببة للتدهور البيئي، ما أسهم في جعل أجزاء من الأراضي غير صالحة للعيش. فعند بناء البنى التحتية الكهرومائية، لا تتم مراعاة سلامة الموارد المائية على المدى الطويل، إضافة إلى أن هذه الأعمال مرتبطة بالفساد داخل النظام. وتشير تقارير إلى أن عناصر من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني يمارسون ضغوطا على الحكومة، بالتواطؤ مع شركات البناء، من أجل إنشاء سدود هدفها تحقيق الإيرادات بغض النظر عن العواقب الإيكولوجية أو البشرية التي قد تنجم عنها.
إلى ذلك، أسهمت منظومة العقوبات الدولية، التي اتخذها المجتمع الدولي تجاه النظام الإيراني في تعزيز شعار محاولات الاكتفاء الذاتي، ما أدى إلى إنتاج واسع النطاق لمحاصيل تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه كالفستق والقمح والأرز، ما أدى إلى تراكم خفض التمويل الحكومي فيما يخص السياسات المرتبطة بالبيئة السليمة، إضافة إلى عرقلة الانتقال إلى اقتصاد أقل اعتمادا على الموارد، من خلال منع الحصول على التكنولوجيات الخضراء.
وفي ظل استنزاف الموارد المائية الناجم عن الأنشطة البشرية، الذي يمكن عكس تأثيراته بدلا من عدها أمرا واقعا، يبدو أن مشكلة ندرة المياه بصدد أن تصبح - بوتيرة أسرع - مصدرا رئيسا في زيادة قلق الإيرانيين. فقد شهدت محافظة خوزستان احتجاجات على خلفية تحويل مسار الأنهار في 2018 ثم في 2021. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، سار آلاف على مجرى نهر زاينده رود الجاف، احتجاجا على تحويل مياهه إلى محافظة يزد المجاورة، قبل أن تتدخل قوات الأمن لقمع المتظاهرين بالقوة. وفي وقت سابق من هذا العام، تم اعتقال ناشطين طالبوا الحكومة باتخاذ تدابير لتجنب جفاف بحيرة أورمية كاملة.
كما تعامل النظام الإيراني مع مطالبات علماء البيئة بالاعتقال، حيث تشير حملات القمع العنيفة التي تمارسها قوات الأمن، إلى الطابع الأمني الطاغي في هذه القضية، معتمدا على قطع سبل الحصول على البيانات، بالحد من الشفافية، لأنه ينظر إلى الحراك البيئي باعتباره تهديدا محتملا له، نظرا إلى قدرته على توحيد السكان في هذا الإطار، كما يستغل النظام التوترات القائمة لتأليب مجموعات اثنية أو المحافظات أو قطاعات اقتصادية مختلفة على بعضها بعضا، لضمان بقائه.
زاد مزيج من العوامل مثل البطالة والتدهور البيئي وإخفاقات السياسات، احتمال حدوث اضطرابات اجتماعية، حتى إن المسؤولين أنفسهم باتوا يشككون في قدرة الحكومة على توفير إمدادات المياه من دون انقطاع في جميع أنحاء البلاد، لكن غياب التخطيط الإيكولوجي السليم والمستدام في إيران لا يهدد استقرار النظام فحسب، بل أيضا الأمن الإيكولوجي في المنطقة عموما، فالمشكلة المائية هناك تتطلب معالجة القضايا من منطلق اعتماد مقاربة منهجية إيكولوجية متكاملة، بدلا من الاكتفاء بتوفير استجابات تكنولوجية متسرعة ومجتزأة.
تعيش إيران عزلة دولية بسبب سياساتها العدائية داخليا وخارجيا، على الرغم من مد يد دول الجوار إليها مرارا وتكرارا، والدعوات إلى تغيير سلوكها السلبي في المنطقة، والاتجاه نحو التعاون، والوفاء بالتزاماتها.