أسلحة نووية تعتمد الذكاء الاصطناعي
أكدت تقارير توظيف روسيا تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل موسع، في النواحي العملياتية، تحديدا في أنظمة الإنذار المبكر، ومهام القيادة والتحكم، والعمليات الهجومية، تنفيذا لاستراتيجية الردع النووي، للعمل بفاعلية نسبية وبذكاء أكبر، باستخدام مستشعرات خاصة للتأكد من تعرض الأراضي الروسية لهجوم نووي، من خلال منشأة محصنة لا توجد أي معلومات عن مكانها، تعتمد على العناصر البشرية في اتخاذ قرار إطلاق الصواريخ، كما تتولى هذه العناصر بشكل تلقائي قيادة بعض الغواصات الروسية الحاملة للرؤوس النووية، وتقوم هذه القاعدة العسكرية بالرد المباشر، في حال تعرض الأراضي الروسية لهجوم يعطل عمل مركز القيادة التقليدي، في ظل تقارير روسية استخبارية تؤكد أخبارا عن نية أوكرانيا اللجوء إلى "القنبلة القذرة"، مع تأكيد موسكو أن عقيدتها العسكرية دفاعية فقط.
تولي موسكو النسخة الأخيرة من العقيدة النووية الروسية اهتماما كبيرا بدقة البيانات الخاصة بتحركات الخصوم، ولهذا حرصت على دمج بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عدد من أنظمة الإنذار المبكر الخاصة برصد أي هجمات صاروخية عدائية، ويأتي هذا الاهتمام بعد تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن بلاده تعرضت "للابتزاز النووي"، من قبل الغرب بمن فيهم بريطانيا، رافضا المزاعم التي تتهم القوات الروسية بهاجمة محطة زابوريجيا للطاقة النووية، الواقعة في أرض تحت سيطرة روسيا في جنوب أوكرانيا، وأن بلاده لم تتحدث قط عن استخدام الأسلحة النووية، مبديا استعداد بلاده لإعادة بدء المحادثات مع الولايات المتحدة، بشأن الرقابة على الأسلحة النووية.
تسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطبيق مبادئ العقيدة النووية، وتعزيز فاعلية عملية الردع، لما لها من خواص، تساعد على تحسين مهام الرصد والتنبؤ الخاصة بتحركات الخصوم، فضلا عن رفع كفاءة القدرات القتالية للجيش الروسي، فيما تلتزم بعدم الإفصاح الكامل عن تفاصيل عملية التحديث العسكري، في بعض النواحي العملياتية، واكتفت بالإعلان عن نشر أربع محطات رادارية في 2021، تعزز دقة الأهداف التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، كما يمكنها التواصل مع مواقع القيادة وأنظمة التحكم الآلي الخاصة بقوات الدفاع الجوي الروسية، بقدرة تشغيلية سريعة للغاية، تصل إلى مائة مليار عملية في الثانية الواحدة.
وحددت موسكو شروط استخدام السلاح النووي في أربع حالات فقط، هي التوصل إلى بيانات واقعية عن تعرض أراضي روسيا أو حلفائها لهجوم باستخدام الصواريخ الباليستية، واستخدام أي نوع من أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا أو حلفائها، وتعرض مواقع روسية حكومية أو عسكرية لهجمات خارجية تعوق استخدام السلاح النووي، والتصعيد العدائي ضد روسيا باستخدام الأسلحة التقليدية بشكل يهدد وحدة الأراضي الروسية، وهذا يعني تزايد الاعتماد الروسي على خيار السلاح النووي في ردع خصومها الخارجيين، مع المحافظة على عدم إطلاق ضربة نووية وقائية في حال عدم وجود تهديدات جادة وملموسة لروسيا أو الدول الحليفة لها.
سبق لروسيا أن اتبعت العقيدة السوفياتية النووية، لكنها أعادت صياغتها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، واستعاضت عن مبدأ عدم إطلاق الضربة النووية الأولى الذي اتبعه الاتحاد، بإقرار جواز استخدام السلاح النووي في حال تعرض إقليم الدولة لتهديد وجودي، سواء أكان التهديد نابعا من أسلحة تقليدية أو نووية، كما عملت على تحديث ترسانتها النووية، التي يصل مخزونها في أدنى التقديرات إلى أكثر من 4500 رأس نووي، بين استراتيجي وتكتيكي، جميعها جاهز للاستخدام، بكل الوسائل المتاحة للدفاع عن نفسها، بالتزامن مع تصريحات من قوى غربية فاعلة بالتأكيد على عدم نيتها استخدام السلاح النووي ضد روسيا، حتى في حال شنت الأخيرة هجوما نوويا تكتيكيا على أوكرانيا.
توظف موسكو تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مهام القيادة والتحكم، لضمان استمرارية مهام القيادة والتحكم الخاصة بالأسلحة النووية، في حال تعرض الأراضي الروسية لهجوم يعطل عمل مركز القيادة التقليدي، الذي ورثته عن الاتحاد السوفياتي، المعروف بمنظومة بيريميتر أو "اليد الميتة"، التي أنشئت في ثمانينيات القرن الـ20 لضمان شن ضربة انتقامية في شكل شبه آلي، إذا ما تعرضت الأراضي السوفياتية لهجوم نووي، وبهدف إكساب استراتيجية الردع النووي قدرا من المصداقية لدى الخصوم، لم تعلن القيادة الروسية عن التحديثات التي جرت على منظومة "اليد الميتة" منذ وقت إنشائها، مكتفية بالتصريح بأن هذا النظام لا يزال مفعلا، ضد كل من تسول له نفسه التهديد الوجودي للأمة الروسية.
وتنفيذا لاستراتيجية الردع النووي الروسي، أكدت موسكو امتلاكها قدرات عسكرية بحرية، تتيح لها تدمير دولة بريطانيا بالكامل، من خلال استخدام طوربيدات بحرية أشهرها طوربيد مسير مزود برأس نووي، أطلق عليه فيما بعد اسم "بوسيدون"، وسبق أن أجرت البحرية الروسية اختبارا للغواصة "بلجورود" الحاملة للطوربيد، حيث يستطيع حمل رؤوس نووية بحجم يصل إلى 2 ميجا طن، وهي حمولة قد تتسبب في تنفيذ انفجار معادل لقنبلة هيروشيما بأكثر من 130 مرة - بحسب تقديرات الخبراء - بالاعتماد على قدرات هجومية نووية مزودة بتقنيات متقدمة ذات صلة بالذكاء الاصطناعي، كما أن جميع ما ذكر سابقا ينطبق على الأسلحة النووية المحمولة جوا على الطائرات والصواريخ الباليستية.
إلى ذلك، حرصت بعض الأطراف الغربية على تأكيد عدم نيتها استخدام السلاح النووي ضد روسيا، كما شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيرا، على عدم اتجاه فرنسا إلى استخدام السلاح النووي ضد روسيا، في حال قامت الأخيرة بشن هجوم نووي تكتيكي على أوكرانيا، وتزامن هذا التصريح مع تأكيد ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي "الناتو"، أن احتمالات لجوء الحلف إلى استخدام السلاح النووي ما زالت بعيدة للغاية، لكنه أكد أن موسكو قد تتعرض لعواقب وخيمة في حال استخدامها هذا السلاح في أوكرانيا، فيما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها ستزور أوكرانيا لمعاينة بعض المنشآت النووية، وستنشر استنتاجاتها سريعا، إضافة إلى التقرير المعتاد الذي يقدم إلى مجلس المحافظين، وسبق لمفتشي الوكالة زيارة مواقع نووية أوكرانية، ولم تعثر على أي نشاط نووي غير معلن.