العراق .. حكومة جديدة والتحديات كثيرة

العراق .. حكومة جديدة والتحديات كثيرة
العراق .. حكومة جديدة والتحديات كثيرة

بعد شد وجذب، صوت البرلمان العراقي من المنطقة الخضراء أخيرا، على منح الثقة لمحمد شياع السوداني رئيس الحكومة الجديد، القيادي السابق في حزب الدعوة، بالأغلبية المطلقة، بمنحه "النصف زائد واحد" من أصل 329 نائبا، للحكومة المؤلفة من 21 وزيرا، بمشاركة حضورية لـ253 نائبا، لتشهد المحاصصة على تقسيم الحقائب الوزارية عددا من المنازعات والإشكاليات المرتبطة بالصف الداخلي لكل مكون عراقي.
توزعت الحقائب الوزارية على 12 وزيرا شيعيا، أكثرهم مرشحون من قبل الإطار التنسيقي، وستة وزراء من السنة، ووزيرين كرديين، ووزيرة واحدة للأقليات، فيما لا تزال وزارتان للأكراد قيد التفاوض، وللكوتا النسائية ثلاثة مناصب في الحكومة الجديدة، التي لن تعيش طويلا، نظرا لكونها حكومة مؤقتة لمدة عام، يستثنى من ذلك، قيامها بانتخابات مبكرة خلال عام، ولاستكمال مدتها كاملة "أربعة أعوام".
أكد الرئيس الجديد عمله على تعزيز علاقات العراق الخارجية، وعدم الدخول في سياسة المحاور، واتباع سياسة الصداقة والتعاون مع الجميع وحل المشكلات بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان وفقا للدستور العراقي، ليأتي التحرك بعد عام من التوتر السياسي، الذي تسببت انعكاساته في سفك الدم العراقي، لتكون هذه الحكومة محطة حاسمة في مسار الخروج البطيء من الأزمة السياسية للبلاد، التي شهدت خلافات ومواجهات سياسية وعسكرية في بعض الأحيان، بين التيار الصدري والإطار التنسيقي.

خلافات وتفاهمات

تواجه الحكومة الحالية تحديات عدة، سواء المرتبطة بالخلافات بين القوى السياسية أو المرتبطة بالمشكلات الاقتصادية والأمنية، التي سيكون من الصعب إيجاد حل لها، في ضوء محدودية الفترة التي ستستمر فيها تلك، إضافة إلى رفض التيار الصدري المشاركة في الحكومة بناء على مبدأ المحاصصة العرقية والحزبية والطائفية، وامتلاك القدرة على إسقاطها، سواء من خلال اللجوء إلى الشارع أو إعادة نوابه إلى البرلمان العراقي.
توصف الحكومة الجديدة بأنها حكومة الحد الأدنى على الرغم من حصولها على الأغلبية المطلقة، فهذا لا ينفي ضعف الثقة التي تتمتع بها، خصوصا أنها شهدت مخاضا صعبا، لتخرج بميلاد مشوه تماما، نظرا للظروف التي أتت بها، بدءا من الخلافات الشيعية الحادة المنضوية تحت راية الإطار التنسيقي، على حقيبة وزارة الداخلية بين قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي، وفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، واللواء مهدي الفكيكي مستشار وزارة الداخلية، وكذلك مزاحمة عصائب أهل الحق لكتائب حزب الله على جهاز المخابرات، وغيرها من الأجهزة السيادية في الدولة.
أزمة الحكومة الجديدة لم تتوقف عند حدود الشيعة، فالتنافس السني كان مشتعلا أيضا بين أعضاء تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر والعزم بزعامة مثنى السامرائي للفوز بمنصب وزارة الدفاع، إضافة إلى مطالبة تحالف عزم بوزارة التخطيط، وكذلك وزارات أخرى، في ظل وتيرة مرتفعة من الطموحات بأحقيته بوزارات أكثر من تحالف تقدم، الذي يتزعمه الحلبوسي رئيس البرلمان الحالي، باعتبار الأخير لديه منصب كبير.
إلى ذلك، حصلت الطائفة المسيحية على مقعد واحد في الحكومة الجديدة، وهذا لم ينه أزمة التعقيدات في وجه السوداني، بعد الخلاف الكردي الداخلي بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني حول الحقائب الوزارية، حيث لم يحسما بعد أمر حقيبتي البيئة والإسكان والإعمار، كما نددت الأقلية التركمانية والإيزيدية، بسبب حرمانهم من المقاعد المخصصة لهم بموجب الكوتا.
الرئيس الجديد منفتح على الجميع، حيث كشفت مصادر عراقية عن وجود اتفاق يجمع الكتل السياسية السنية "السيادة والعزم" مع السوداني على حل هيئة المساءلة والعدالة، الموكولة بمهام منع مشاركة مسؤولي النظام البعثي العراقي السابق وتحديدا رجالات صدام حسين، بعد أربعة أشهر من تشكيل حكومته، وتحويل هذا الملف إلى الجهات القضائية، باعتبار هذا الأمر أحد أبرز مطالب المكون السني، وهو ما يضع التشكيلة الحكومية الحالية في خطر، في حال لم تتم تلبية تلك المطالب والشروط.
تشكل تحركات القيادي نوري المالكي أحد أكبر المخاطر على حكومة السوداني، إذ تثير تحركات رئيس ائتلاف دولة القانون، خلال الفترة السابقة أسئلة عدة، أبرزها المحاولات المكثفة لإعادة تشكيل دائرة نفوذه، من خلال المفاوضات التي يجريها، التي تتعلق بإعادة هيكلة المناصب العسكرية الرفيعة، وتشمل تغيير قادة فرق الجيش، ومنحها ضباطا موالين له، بما قد يسهم في إيجاد ملفات خلافية بين السوداني والمالكي في المدى القريب.
كما وثقت الكاميرات في جلسة منح الثقة حكومة السوداني مشادات كلامية واشتباكات بالأيدي بين نواب الإطار التنسيقي، والنواب المستقلين المعترضين على نظام المحاصصة، الذي تشكلت بموجبه الحكومة الحالية، وقد أظهر مقطع فيديو مصور، اعتراف علاء الركابي النائب المستقل بتعرضه للضرب وزميله النائب فلاح الهلالي، وتلقيهما تهديدات بالقتل، خلال الجلسة من نواب التنسيقي.
أما صوت الشعب العراقي فهو حاضر في حسابات الرئيس الجديد، فمعارضة متظاهري تشرين نظمت واسعة، في مناطق مختلفة في أنحاء البلاد، لإحياء الذكرى الثالثة من التظاهرات، التي انطلقت 2019، وسجلت تضحيات شبابية، جمعت العراقيين تحت راية الوطن، بعيدا عن السياسة وحسابات الطائفية، لتعم الاحتجاجات ميادين وأحياء العاصمة العراقية، مرسلة إلى الحكومة الجديدة رسالة غاضبة للتعبير عن رفضها تشكيل الحكومة بصورتها الضعيفة، إضافة إلى رفضهم نهج المحاصصة والتوافق، والاستعاضة عنه بنهج قائم على الاختيار بناء على الكفاءة والمهنية.

الصداقة لا المحاور

أكدت نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي أن بلادها لن تتخلى عن العراق، وأن واشنطن تعتبر بغداد "شريكا استراتيجيا"، مبينة أن الأجندة الأمريكية طموحة في العراق، كونه شريكا استراتيجيا لأمريكا، مرحبة بالشراكة مع الحكومة العراقية الجديدة، فيما تتجه أنظار النخب الإيرانية والعراقية المحسوبة عليها، إلى رؤية بغداد للتعاون مع واشنطن في المرحلة المقبلة، حيث تبدي إدارة الرئيس جو بايدن، اهتماما بأن "يكون العراق مركزا لاستقرار الشرق الأوسط".
على أساس المنفعة المتبادلة، بغداد تحتاج إلى واشنطن عسكريا وأمنيا، وواشنطن لا تريد لبغداد أن تبتعد كثيرا، وستكون العلاقة مستقرة إلى حد ما، خصوصا أن مراكز صنع القرار الأمريكية ترفض النفوذ الإيراني في العراق، وأنها كانت غير قابلة بتشكيل حكومة أغلبيتها من الإطار التنسيقي، لكن الموافقة تمت على مضض لإبداء حسن النوايا الأمريكية، ومن المتوقع ألا يكون هناك فصل استثنائي من التعاون أو تعزيز كبير للعلاقات، في ظل الأولويات الأمريكية المتعلقة بأوكرانيا وروسيا والصين.
شهدت العلاقات العراقية مع المحيط العربي والخليجي، حالة من التقارب والتوازن والانفتاح، في فترة الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، الذي حاول تعزيز العلاقات مع المحيط العربي، استكمالا لجهود حيدر العبادي، الذي بدأ كسر الجمود، وعلى عكس حكومتي العبادي والمالكي، تسببت سياسات حكومة المالكي في رفع التوتر إلى أعلى درجاته.
أشارت أغلبية التوقعات العراقية المطلعة، إلى إقامة علاقات متوازنة مع الجميع، تحديدا تركيا وإيران، كما سيهادن رئيس الحكومة الجديدة جميع الأطراف، ليكمل الاستحقاقات، التي يجني ثمارها العراق اليوم بتحقيق عوائد ضخمة من صادرات النفط هذا العام، ويحتفظ البنك المركزي باحتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي تبلغ 87 مليار دولار، إضافة إلى توقيع اتفاقات إضافية مع المحيط العربي لإعادة تأهيل البنية التحتية العراقية وشبكة الطرق والمواصلات، على الرغم من المخاوف المرتبطة بخلفيات العلاقة الوطيدة بين السوداني والنظام الإيراني، والتوجس من مشروع خط السكك الحديدية الرابط بين العراق وإيران.

تحسين الصورة

يسعى الإطار التنسيقي لتحسين صورته، عبر كسب الأصدقاء داخليا وخارجيا، لتبديد المخاوف المتعلقة بمستقبل الحكومة الجديدة وعلاقاتها، حيث ستدعم المحادثات ورعايتها بما سيؤثر إيجابا في الوضع العراقي، وبالتالي إيران هي التي ستحث القوى الموالية والحكومة الجديدة في العراق، على تقوية علاقاتهم بالسعودية وفتح صفحة جديدة في العلاقات.
وبحسب مراقبين للشأن العراقي، يعرف عن رئيس الحكومة العراقية الجديد أنه شخص متزن، ولا يتأثر بقرب علاقته بالمالكي، كما أنه حريص على ترسيخ الروابط مع دول الجوار العربي، وستكون له زيارات مختلفة لدول الجوار لكسب ودها، واستكمال ما بدأه الكاظمي، لحل مشكلات الكهرباء وأزمة التزود بالطاقة وغيرها من المشكلات.
ذكرت شخصيات موالية لطهران، أن الحاجة الإيرانية ملحة لكسب ود السعودية، خصوصا في ظل الوضع الداخلي الإيراني والمشكلات الموجودة اقتصاديا وسياسيا، وقضية الاحتجاجات الأخيرة، ما سيدفع السوداني والإطار التنسيقي على تقوية علاقاتهم بالرياض، نظرا للمكانة الكبيرة التي تحتلها السعودية عالميا، خصوصا في الوقت الذي تنتمي فيه إلى مجموعة العشرين، ودورها الكبير في حل أزمات الطاقة العالمية، وقدرتها على تبني سياسة الحياد النشط، في مختلف القضايا، كما حصل بين روسيا وأوكرانيا.

الأكثر قراءة