العودة إلى مسار الصفر الصافي .. أولويات ملحة «2 من 2»
يتضمن التحليل الجديد الذي أجراه الصندوق توقعات مشجعة لحزمة منصفة من شأنها احتواء الاحترار العالمي في حدود درجتين. ونقدر في التحليل أن التكلفة الصافية للتحول إلى التكنولوجيا النظيفة - بما في ذلك الوفورات التي يحققها تجنب الاستثمارات غير الضرورية في الأنواع الطاقة العادية - ستبلغ نحو 0،5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي في 2030. ويعد هذا مبلغا ضئيلا إذا ما قورن بالتكاليف المدمرة التي يسببها تغير المناخ دون كابح. غير أن التأخر في التنفيذ سيجعل التحول أكثر تكلفة وإرباكا. غير أن العمل التخفيفي لا يكفي.
فبعد أن أصبح بعض الاحترار العالمي لا رجعة فيه، يدفع الناس والاقتصادات الثمن في كل مكان وبصفة يومية. وبينما تصدر الاقتصادات الأكبر في العالم معظم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ويتعين عليها القيام بأكبر التخفيضات فيها، فإن الاقتصادات الأصغر في العالم تدفع أكبر التكاليف وتتحمل أكبر فاتورة للتكيف مع تغير المناخ. ففي إفريقيا، يمكن أن تؤدي نوبة جفاف واحدة إلى تخفيض النمو الاقتصادي الممكن للبلد المعني بمقدار نقطة مئوية واحدة على المدى المتوسط، ما يحدث نقصا في الإيرادات الحكومية يعادل عشر ميزانية التعليم.
ويؤكد هذا أهمية الاستثمارات واسعة النطاق الرامية إلى تعزيز الصلابة، بدءا من البنية التحتية وشبكات الأمان الاجتماعي وانتهاء بنظم الإنذار المبكر والزراعة الذكية مناخيا. والواقع أن تقديرات الصندوق لنحو 50 اقتصادا ناميا ومنخفض الدخل تشير إلى تكاليف سنوية تتجاوز 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي من أجل التكيف مع تغير المناخ على مدار الأعوام العشرة المقبلة. وفي كثير من الحالات، استنفدت هذه الدول الحيز المالي المتاح في أثناء فترة الأعوام الثلاثة تقريبا من الأزمات التي تراوحت بين الجائحة والتضخم الجامح. وهي بحاجة ماسة إلى الدعم المالي والفني الدولي لبناء الصلابة والعودة إلى مساراتها التنموية.
وتعلق أهمية بالغة أيضا على القيام بمزيد في مجال تمويل العمل المناخي. ويجب على الاقتصادات المتقدمة أن تفي بتعهداتها البالغة 100 مليار دولار من التمويل للعمل المناخي في الدول النامية أو تتجاوزها، لأسباب ليس أقلها الإنصاف. غير أن الأموال العامة وحدها لا تكفي، ومن هنا تنشأ الحاجة إلى مناهج مبتكرة وسياسات جديدة لحفز مستثمري القطاع الخاص على القيام بهذه المهمة. وفي نهاية المطاف، فإن التحول الأخضر يجلب فرصا هائلة للاستثمار في البنية التحتية والطاقة ومجالات أخرى. ويبدأ الأمر بتقوية الحوكمة ودمج الاعتبارات المناخية في الاستثمار العام والإدارة المالية التي يمكنها المساعدة على إطلاق مصادر جديدة للتمويل.
وستكون الأدوات المالية التي ثبتت فاعليتها مهمة أيضا في هذا الصدد، مثال ذلك صناديق الاستثمار المغلقة التي تستطيع تجميع أصول الأسواق الصاعدة لتقديم نطاق واسع من المنتجات وتنويع المخاطر. ويتعين على بنوك التنمية متعددة الأطراف أو المانحين القيام بمزيد لتشجيع المستثمرين المؤسسيين على المشاركة، وذلك على سبيل المثال، بإتاحة المشاركة في رأس المال، التي تقتصر حاليا على نسبة بسيطة من التزاماتها.
وأحد المجالات الجديدة المبشرة إطلاق رأس المال من صناديق معاشات التقاعد، وشركات التأمين، وغيرها من أصحاب الاستثمارات طويلة الأجل الذين يديرون مجتمعين أصولا بقيمة تزيد على 100 تريليون دولار.
وثمة اعتبار آخر، وهو كيف يمكن تيسير اتخاذ القرار والاستثمار من خلال تحسين البيانات المتاحة. ولهذا يعمل الصندوق والهيئات العالمية الأخرى على توحيد المعلومات عالية الجودة والقابلة للمقارنة لتقديمها إلى المستثمرين، وتنسيق بيانات الإفصاح ذات الصلة بالمناخ، وتحقيق الاتساق بين التمويل والأهداف المتعلقة بالمناخ.
يدرك الصندوق الأهمية البالغة للتحول الأخضر، وكثفنا العمل بشأن هذه القضية، بما في ذلك عن طريق الشراكات مع البنك الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وشبكة تخضير النظام المالي، وجهات أخرى.
ونحن نقوم بالفعل بدمج اعتبارات المناخ في كل جوانب عملنا. ويتضمن هذا الرقابة الاقتصادية والمالية، والبيانات، وتنمية القدرات، إلى جانب العمل التحليلي. وبلغت تعهدات التمويل لأول أداة نقوم بإنشائها للتمويل طويل الأجل، وهي الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة، أكثر من 40 مليار دولار، إلى جانب ثلاث اتفاقيات على مستوى الخبراء مع بربادوس، وكوستاريكا، ورواندا. ويوضح الدعم الذي حظيت به هذه الأداة أن للتعاون قوة دائمة في التغلب على التحديات العالمية. وما لم نبادر بالتحرك الآن، فإن الدمار والخراب الناجمين عن تغير المناخ ـ والخطر الذي يهدد وجودنا ذاته - لن يزيدا إلا سوءا. غير أننا إذا عملنا معا ـ وبمزيد من الجد والسرعة ـ فسيظل بإمكاننا رسم مستقبل أكثر خضرة وصحة وصلابة.