مفاوضات دولية لتسوية النزاع الروسي - الأوكراني

مفاوضات دولية لتسوية النزاع الروسي - الأوكراني

أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن أخيرا، استعداده للتحدث إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في حال كان يبحث عن وسيلة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وفي أول رد علني لموسكو على المقترح الأمريكي قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين "إن بلاده منفتحة على إجراء مفاوضات"، مشترطا قبول واشنطن احتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية، التي احتلتها.
وتعليقا على مبادرة الرئيس الأمريكي، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه لن يدفع الأوكرانيين أبدا إلى القبول بتسوية يرفضونها فيما يتصل بالتدخل الروسي في بلادهم، لأن ذلك لن يتيح بناء سلام دائم، فيما تعهد الرئيسان الأمريكي والفرنسي بمحاسبة روسيا على ما وصفوه بـ"الفظائع وجرائم الحرب الموثقة" التي ارتكبتها موسكو على نطاق واسع في أوكرانيا.
ملامح القبول بتسوية الأزمة، من خلال القنوات الدبلوماسية رغبة جامعة لكل أطرف الأزمة الروسية - الأوكرانية، التي تدخل شهرها العاشر، بالتزامن مع حلول فصل الشتاء، الذي قد يدفع إلى حدوث انشقاقات في الوحدة الأوروبية - الأمريكية، بسبب ظروف عدة أبرزها السخط الشعبي الأوروبي بسبب أزمة الطاقة الناجمة عن انقطاع الغز الروسي عن القارة العجوز.
تصر واشنطن على الانسحاب الروسي الكامل من أوكرانيا ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب، فيما شهدت الأزمة طرح مبادرات عدة، من قبل بعض الدول، للتخفيف من حدة الأزمة على أوكرانيا خصوصا والعالم عموما، حيث يعيش العالم أزمة اقتصادية كبيرة، تسببت في اضطراب سلاسل الإمدادات والتوريد، نتج عنها تباطؤ في النشاط الاقتصادي العالمي، تسبب في رفع أسعار السلع الغذائية والبضائع الأساسية والمواد الخام، نظرا لدور الدولتين، فيما يتعلق بتصدير الحبوب ومشتقاتها من الزيوت.
أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى زيادة تكاليف الشحن والنقل بمختلف أنواعه، ورفعت معدل التضخم في دول عدة، خصوصا تلك التي تعتمد على الاستيراد في تأمين احتياجاتها من الغذاء والطاقة، كما تسببت في حدوث حالة من الشلل في بعض الأحيان لحركة التجارة العالمية، تحديدا في مجال تجارة الحبوب، في منطقة البحر الأسود، وهو ما أسهم في امتداد عواقب تلك الحرب إلى العالم بأسره.
وساطات عدة قدمتها دول لإنهاء شبح الحرب، أبرزها المبادرة السعودية في تبادل مجموعة من أسرى بين الدولتين، ما خفف من حدة التوتر، ودفع إلى قبول مزيد من الحلول الدبلوماسية في الأزمة، كما توصلت أطراف النزاع إلى تسويات أخرى برعاية الأمم المتحدة وتركيا، شملت اتفاقا روسيا - أوكرانيا باستئناف تصدير الحبوب والأسمدة، وتمديد الاتفاق إلى أربعة أشهر أخرى، كإجراء حيوي ومدعوم أمميا لضمان تدفق الإمدادات الغذائية إلى الأسواق العالمية.
وتباعا لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، تستحوذ روسيا وأوكرانيا على نحو 27 في المائة من التجارة العالمية للقمح، و23 في المائة للشعير، و14 في المائة للذرة، فكلتا الدولتين تعد من أهم منتجي ومصدري المحاصيل الزراعية على مستوى العالم.
مخاوف دولية واضحة من عدم صمود اتفاق تصدير الحبوب، خاصة في ظل استمرار الحرب، والتصعيد بين طرفيها، كما سبق لموسكو أن علقت مشاركتها في هذا الاتفاق أواخر أكتوبر الماضي، إضافة إلى مطالبات أوكرانية بمحادثات سلام حقيقية مع روسيا، ووضع شروط لإجراء المحادثات تتضمن إعادة السيطرة الأوكرانية على أراضيها، وتعويض كييف عن تدخل موسكو وتقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى العدالة.
وعلى الرغم من عدم شعور الرئيس بوتين بأي ندم على ما يطلق عليه "العملية العسكرية الخاصة" لروسيا ضد أوكرانيا، ووصفها بأنها لحظة فاصلة مع وقوف روسيا في وجه الهيمنة الغربية المتغطرسة بعد عقود من الإذلال في الأعوام التي تلت سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، إلا أن الاتفاق بين الدولتين أسهم في التخفيف من حدة انعدام الأمن الغذائي ومخاطر زيادة الفقر والجوع العالميين.
وبلغت صادرات أوكرانيا الإجمالية من الحبوب نحو 11 مليون طن منذ يوليو 2022 حتى نوفمبر من العام نفسه، وكانت أكثر الحبوب المشحونة هي الذرة بنسبة 43 في المائة، يليها القمح بنسبة 29 في المائة، ومن ثم منتجات دوار الشمس بنحو 13 في المائة، لتحتل باقي الحبوب نسبة 15 في المائة، حسب آخر البيانات الصادرة عن كل من وزارة الزراعة الأوكرانية، ومجلس الاتحاد الأوروبي.
نتائج سريعة وملموسة حققتها اتفاقية تصدير الحبوب إلى الأسواق العالمية، أدت إلى تراجع أسعار المواد الغذائية التي انخفضت لسبعة أشهر متتالية، ما حال دون وقوع نحو مائة مليون شخص في الفقر المدقع، بحسب تقديرات البنك الدولي، ما يظهر تقدما في معدلات الإنتاج في أمريكا الشمالية وروسيا، إضافة إلى استئناف الصادرات من موانئ البحر الأسود في أوكرانيا.
هذه المؤشرات لا تعني شفاء الأسواق العالمية كليا على الرغم من بوادر التحسن، حيث كلفت الحرب الروسية - الأوكرانية مستحقات إضافية، لتأمين سفن الحبوب التي تغادر موانئ أوكرانيا، نظرا لارتفاع المخاطر المرتبطة بالإبحار في البحر الأسود في ظل استمرار الحرب.
كما ضاعفت الشركات أقساط التأمين للأعمال البحرية المتضررة من الحرب منذ فبراير الماضي، كما عدت شركات التأمين البحري في لندن البحر الأسود وبحر آزوف مناطق عالية الخطورة، ما دفع تكلفة تأمين السفن في هذه المنطقة للارتفاع إلى مستويات قياسية.
وبمبادرة من الجانب الألماني، أجرى المستشار آولاف سولتش اتصالا مع الرئيس الروسي، الذي دعا الجانب الألماني إلى إعادة النظر في مقارباته في سياق الأحداث الأوكرانية، كما ناقشا صفقة الحبوب، وشددا على ضرورة تنفيذها بعناية مع إزالة الحواجز أمام الشحنات والإمدادات الروسية.
بدوره، عد سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي الغرب يحاول الحفاظ على هيمنته، من خلال توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" شرقا، مشددا على أن توسيع عضوية الناتو يتم بشكل مقصود ومتعمد، مبينا أن واشنطن جعلت من أوكرانيا تهديدا وجوديا لروسيا، مؤكدا أن بلاده لم تنسحب قط من أي اتصالات مع الولايات المتحدة، لكن الروس لم يسمعوا لأي أفكار ذات قيمة كبيرة من نظرائهم الأمريكيين.

الأكثر قراءة