"زد".. جيل إيراني يخلخل أركان النظام بالفن والإنترنت

"زد".. جيل إيراني يخلخل أركان النظام بالفن والإنترنت

تتزايد مخاوف صناع القرار الإيراني حيال الفجوة المتزايدة بين الأجيال القديمة والجديدة، نتيجة جهل النظام السياسي بآليات عمل الاحتجاجات الأخيرة، التي شهدها الشارع الإيراني، نتاج الوعي السياسي للجيل الجديد، وعدم قدرة النظام الإيراني على التعامل مع التحديات الجديدة، التي أوجدتها وسائل التواصل الاجتماعي بعد جائحة كورونا.
أجبرت الجائحة النظام في إيران على تخفيف القيود المفروضة على شبكة الإنترنت، بسبب متطلبات التعليم والعمل عن بعد، للتقليل من الاختلاط المجتمعي، الذي كان يتسبب وقتها في انتشار العدوى السريعة بين الشعب الإيراني، كما حصل بين سائر دول العالم، التي اتخذت إجراءات حازمة، لتجاوز تبعات الجائحة، لكن على الرغم من ذلك شهدت نسب الوفيات بين مصابي كورونا في إيران ارتفاعا ملحوظا مقارنة بمحيطها.
حالة السخط الشعبي في إيران تتزايد يوما بعد يوم على الرغم من إجراءات القمع الوحشية، التي تنفذها أجهزة النظام الأمنية، إلا أن الأحداث الأخيرة، التي تسببت فيها شرطة الأخلاق بمقتل الفتاة مهسا أميني، التي أصبحت أيقونة للتظاهرات هناك، رفعت من مستوى القلق في صفوف القيادة الإيرانية، وتسببت فيما بعد في تجميد نشاطات الأمن الأخلاقي في إيران، التي تزامنت مع وفاة وزير إيراني سابق، تسربت صوره مع امرأة غير محجبة.
اكتسب النظام الإيراني خبرة في إبادة، واجتثاث أي حراك، وعلى الرغم من ذلك استمرت الاحتجاجات، التي في الأغلب يتم إخمادها، لكن شعلة الغضب الأخيرة في شوارع إيران، التي رفعت سقف المطالب في مجالات الحريات والمشكلات الاقتصادية والانغلاق السياسي، وتشترك جميعها في سلسلة من الإحباطات كان خلفها جيل جديد فرض نفسه بقوة سمي فيما بعد بالجيل "زد".
الجيل "زد" هو جيل من الشباب الإيراني من مواليد الألفية الجديدة، سمته البارزة إلى جانب عدم خضوعه لبطش النظام، أنه جيل متفتح، ومطلع على الإنترنت، وعايش قهر الشعب من قبل سلطة سياسية فاسدة تدعي الدين والإصلاح، في الوقت الذي تستنزف فيه خيرات الدولة للتدخل في شؤون دول المنطقة، ما يجعلها دولا فاشلة، تحكمها العصابات والميليشيات الطائفية.
ارتفعت وتيرة احتجاجات الجيل "زد"، باحتجاجات طلابية، إلى جانب غيرها من احتجاجات الإيرانيين العاديين، التي تندد بالقيود الصارمة المفروضة على ما يمكن أن ترتديه النساء في الأماكن العامة، لكن الجيل الجديد نقل المعركة إلى شبكات الإنترنت عبر عرض مقاطع فيديو لحشود يهتفون "المرأة، الحياة، الحرية!"، إلى جانب دعوات تحمل شعار "الموت للديكتاتور"، في إشارة منهم إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
حاول النظام الإيراني وأد الاحتجاجات، وواجهها بوحشية مفرطة، بإطلاق الذخائر الحية عشوائيا على المظاهرات في عديد من الحالات، لكن لم يخضع الجيل "زد" لهذا القمع، وواصل الاحتجاجات حتى أحرق ومزق صور المرشد الإيراني، لتأخذ حركة الاحتجاجات الجارية، شكلا جديدا طرق أبواب الفن داخل وخارج إيران، من خلال التعبير عن رفض النظام بالأعمال الفنية والرسومات، التي جسدها فنانون ورسامون ومغنون وشعراء بأعمال فنية تبرز "وحشية النظام".
وصلت الأعمال الفنية إلى قلب إيران، في كل من "بارك دانشجو" حديقة الطالب، و"ميدان فاطمي"، و"خانه هنرمندان" بيت الفنانين، وحولت مياه النوافير من اللون الشفاف إلى اللون الأحمر، ووصف نشطاء النوافير ذات المياه الحمراء بأنها "أعمال فنية" بعنوان "طهران مغطاة بالدماء"، مشيرين إلى أنها من تنفيذ فنان مجهول، جعل من النوافير شبيهة ببرك الدماء، بعدما صبغت باللون الأحمر لتشكل انعكاسا لحملة القمع الدموي للتحركات الاحتجاجية.
على الرغم من عنف قوات الأمن، وانقطاع التيار الكهربائي، وخطوط شبكات الإنترنت، لا يزال المتظاهرون في الشوارع، بلغت نسبة محاولات الحصول على تطبيقات للالتفاف على التطويق الافتراضي الممنهج نحو 3000 في المائة، بينما تستمر المظاهرات ضد النظام وارتداء الحجاب، وهذا الإصرار يكشف سعيا متزايدا من قبل الشباب لتحصيل تطبيقات الشبكات الخاصة الافتراضية للتحايل على الضوابط الإلكترونية للنظام.
يتسم الجيل "زد" بالتعليم المتقدم، ليس من مدارس النظام ودور التعليم الدينية "الحسينيات"، وإنما ثقافته الكبيرة، التي حصل عليها باتصاله في شبكات العالم الافتراضي في شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديدا شبكة "إنستجرام"، التي كانت الأقل قيودا في إيران، بعد حجب "فيسبوك وتويتر" والتطبيقات الأخرى.
سبق أن أوردت مؤسسات النظام الرسمية، خصوصا تلك الاستخباراتية، تقارير مفادها بأنه لا يتحلى بأي توجهات سياسية، لكن الصدمة أن هذا الجيل يتبنى أفكارا سياسية معادية للأيديولوجيا الدينية التي يتبناها النظام السياسي الإيراني، وأنه يرفض الصبغة الدينية، التي تتحكم بمصير الشعب وحرياته الأخرى، وقدراته الغاضبة بسبب تردي الأحوال الاقتصادية والحريات، جعلته لا يعرف الخوف من التعبير عن مطالبه السياسية، وهذا ما تسبب في ارتباك السياسات لدى رجالات المرشد.
يمتاز الجيل "زد" بأنه غير محسوب على أي توجه سياسي رسمي، ولا يشارك بأي عملية سياسية في البلاد، نتيجة لاعتماد النظام على الخبرات القديمة، والمحسوبة على دوائره المغلقة، التي لا تفتح المجال للشباب بالمشاركة في أي عمل سياسي في البلاد، الذي غاب بشكل كامل عن الانتخابات الأخيرة، سواء كانت رئاسية أو برلمانية، لتصل عدوى المقاطعة إلى الطبقة المتوسطة، التي غابت هي الأخرى عن المشاركة في الانتخابات.
اتهم إعلام النظام احتجاجات الجيل "زد" بأنها مؤامرة تديرها أجهزة استخبارات ودول أجنبية، لاستهداف النظام السياسي الإيراني، لكن هذه الهبة الشبابية، شعبية في المقام الأول، وسمتها الرئيسة الوعي والمعرفة، ومن أشكال تفاقم أزمة النظام أن هذا الجيل غير مرتبط بالمعارضة الرسمية، ويصعب اختراقه، لرفضه التنظيمات التقليدية للمعارضة الإيرانية الخارجية.
يمثل الجيل "زد" نسبة كبيرة من مكونات الشعب الإيراني بلغت حدود الـ8 في المائة، بمعدل ستة ملايين نسمة، ولها دور كبير في شبكات التواصل الاجتماعي، بارتفاع مشاركتها خلال الأعوام الأخيرة من 24 مليون مستخدم إلى 48 مليون مستخدم على "إنستجرام" وحده.

الأكثر قراءة