التنظيم الأكثر فاعلية للأسواق المالية الأمريكية
عندما تولى جاري جينسلر رئاسة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في نيسان (أبريل) 2021، بدأ في تشديد الضوابط التنظيمية المفروضة على أجزاء من القطاع المالي. بعد ثمانية أشهر، أصبحت المقاومة شديدة من جانب الصناعة.
وصفت افتتاحية صحيفة "وول ستريت جورنال" نهج جينسلر بأنه "السريع الغاضب"، زاعمة أن وضع عدد من القواعد أكثر مما ينبغي يقوض حماية المستثمر. ويزعم كبار ممثلي الصناعة أن فترة التعليق على القواعد المقترحة قصيرة للغاية.
أما "الإيكونيميست" فقد اتهمته ضمنا بالغطرسة، متسائلة بازدراء، "هل يستطيع جاري جينسلر حل كل مشكلات التمويل الأمريكي؟".
كل هذه الانتقادات تفتقر إلى أي معنى أو منطق، لأنها تتجاهل مدى ضآلة ما حققه من سبقوا جينسلر في هذا المنصب. فقد سـمـح للقواعد التي تحكم أسواق الأوراق المالية في الولايات المتحدة بالاستمرار دون تغيير طوال الأعوام الـ12 الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى تمكين بعض الممارسات الخطيرة من ترسيخ جذورها. الواقع أن جينسلر وزملاءه يعملون بسرعة ونشاط حقا، لكن في المقام الأول لمساعدة الأسواق ومنعها من أن تصبح غير عادلة بشدة.
وفقا لمجلة "الإيكونيميست"، اقترح فريق جينسلر عددا من القواعد في أول 18 شهرا أكثر من تلك التي اقترحها ثلاثة سبقوه في المنصب، جاي كلايتون، مايكل بيووار، وماري جو وايت. هذه في حد ذاتها إحصائية لا معنى لها تماما. السؤال الحقيقي هو، ما المشكلة التي يجب حلها، وهل تقوم لجنة الأوراق المالية والبورصات بعملها؟
كشفت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت 2008 عن نقاط ضعف رئيسة في الأسواق المالية الأمريكية. كانت إصلاحات دود - فرانك المالية لـ2010 مصممة لإصلاح بعض المشكلات، لكن في عهد وايت نفذت لجنة الأوراق المالية والبورصات هذه الإصلاحات بوتيرة شديدة البطء. وفي عهد كلايتون وبيووار، أصبحت الضوابط التنظيمية المتأثرة بلجنة الأوراق المالية والبورصات أكثر تساهلا، فانزلقت عائدة إلى أيام "كل شيء جائز" في أوائل العقد الأول من القرن الحالي ـ التي أسهمت في جنون دورة الازدهار والكساد خلال الفترة 2007 - 2008.
إن مبادئ جينسلر واضحة ومتسقة بدرجة كبيرة. وكما أقرت حتى مجلة "الإيكونيميست"، منذ أصبح جينسلر رئيسا للجنة تداول السلع الآجلة خلال الفترة من 2009 إلى 2014، كان يسعى إلى إيجاد ساحة لعب متكافئة حيث يـلزم المطلعون من داخل الصناعة المالية بمعاملة العملاء بإنصاف.
عندما نلقي نظرة على مسيرة جينسلر المهنية الطويلة، كمستشار سياسي وفي وزارة الخزانة الأمريكية، نجد أنه كان متشككا بشكل دائم في الممارسات الغامضة أو الجهود الرامية إلى تفادي الإفصاح عن معلومات جوهرية. كان الجزء الأول من مسيرة جينسلر المهنية في جولدمان ساكس، لذا فهو يجلب خبرة مطلع سابق من الداخل لكل هذه القضايا.
على وجه التحديد قد يعارض القواعد التي تحاول جلب مزيد من الشفافية إلى الأسواق، أو شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، أو العملات الرقمية المشفرة؟ من لا يحب التدابير التي تجعل التعامل مع العملاء بنزاهة وعدالة إلزاميا من جانب الوسطاء أو البورصات؟ ومن لا يريد أن يعرف كيف تؤثر الأنشطة التي تزاولها الشركات المتداولة علنا في المناخ؟
كانت مسألة يقينية لدى كثيرين ـ واستراتيجية تسويق بين المروجين للعملات الرقمية المشفرة ـ أن الأسواق المالية من الممكن أن توجد دون ضوابط تنظيمية فاعلة. الحق أن هذا غير وارد لثلاثة أسباب على الأقل.
بادئ ذي بدء، التمويل أمر معقد، ومن السهل على العملاء الشعور بالارتباك أو التضليل بشأن ما يقدم إليهم. ويعد ما حدث في وقت سابق من هذا العام مع "العملة المستقرة الخوارزمية" تيرا لونا مثالا ممتازا. لم يكن المخطط منطقيا، لكن آلاف الأشخاص انجذبوا إليه ـ وانتهت بهم الحال إلى خسارة مليارات الدولارات.
ثانيا، من الممكن تحقيق ثروات كبيرة بسرعة في الأسواق المالية، وهذا يشجع الناس على الاعتقاد بأن دورهم في تحقيق النجاح ربما يكون التالي. إن الجشع من الممكن أن يجعلنا جميعا في غاية السذاجة. ومرة أخرى، كان مثال تيرا لونا متطرفا لكنه ليس فريدا من نوعه. "لا تخضع عمليات العملات المشفرة لاختصاص لجنة الأوراق المالية والبورصات حاليا، لكن جينسلر يود تغيير ذلك".
ثالثا، يدير أشخاص شديدو الذكاء شركات مالية ضخمة. وكثيرون منهم يمتلكون مقادير هائلة من الموارد، ويدعمهم أفضل المحامين على الإطلاق، ويفضلون أن تظل ساحة اللعب مائلة لمصلحتهم. من منظور بعض هؤلاء الأشخاص، تتمثل الاستراتيجية المفضلة حاليا في المماطلة لأطول فترة ممكنة، على أمل حدوث تحول في الرياح السياسية.
تريد الصناعة فترات تعليق طويلة "من 90 إلى 120 يوما" على تغييرات القواعد المقترحة، رغم أن أغلب مقترحات لجنة الأوراق المالية والبورصات توفر 45 يوما للتعليقات، وبعضها يسمح بـ 60 يوما ـ مقارنة بـ 30 يوما يسمح بها الكونجرس عادة. لكن في وجود فترات تعليق أطول أو غيابها، لن يخلو الأمر دون أدنى شك من عديد من الدعاوى القضائية التي تطعن في قواعد لجنة الأوراق المالية والبورصات لأسباب لا حصر لها.
استنادا إلى سجل أداء جينسلر في لجنة تداول السلع الآجلة، يبدو من المرجح أن يحكم في أغلب هذه القضايا لمصلحة لجنة الأوراق المالية والبورصات، وستصبح الأسواق أكثر عدالة. لن يحل كل مشكلة في التمويل أو المجتمع الأمريكي، لكن التنظيم الأقوى والأكثر فاعلية الذي يواكب الإبداع المالي ضروري لحماية المستثمرين بشكل فاعل. لقد أصبحت لجنة الأوراق المالية والبورصات أكثر مصداقية مع توليه القيادة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.