مفارقة العام .. إيران تنتقد طالبان ودماء الإيرانيات لم تجف

مفارقة العام .. إيران تنتقد طالبان ودماء الإيرانيات لم تجف

تشهد العلاقة الإيرانية - الأفغانية أخيرا، منافسة من نوع آخر، يكمن جوهرها في قهر النساء وسلبهن حقوقهن، بفرض القوانين عليهن هنا وهناك، ما يزيد من صعوبة الحياة عليهن، حيث يعد مقياس التدين والالتزام بكمية تهميش المرأة وسلبها إرادتها وحريتها، فيما تتفوق إيران بالوحشية على أفغانستان من حيث أعداد ضحايا الإيرانيات على يد الجهات الرسمية، أما أفغانستان فلها سجل أسود بمنع الفتيات من التعليم الجامعي، فهناك يرفع شعار "النساء للإنجاب".
ابتكرت طهران وسيلة جديدة لتنظيف سيرتها الملطخة بدماء الفتيات الإيرانيات، حيث أعربت وزارة الخارجية الإيرانية عن أسفها، بسبب منع حركة طالبان البنات الأفغانيات من التعليم الجامعي، آملة في أن تزيل طالبان العقبات بسرعة وتمهد الطريق أمام تعليمهن، وفي خطوة غير متوقعة، بادرت طهران بالإعلان عن جهوزيتها، لاستقبال الطالبات الأفغانيات الراغبات في تلقي واستكمال تعليمهن الجامعي.
وزير التعليم العالي في حكومة طالبان، ندا محمد نديم، أكد أن اتخاذ حركة طالبان قرار إغلاق الجامعات الحكومية والخاصة أمام الفتيات في عموم أفغانستان، إلى أجل غير مسمى، كان بحجة عدم الالتزام بالزي الإسلامي والقيم الإسلامية، وهو السبب نفسه الذي أطاح بكثير من البنات الإيرانيات قتيلات على يد شرطة الإرشاد بسبب عدم الالتزام بالزي، الذي تريده السلطة الحاكمة في طهران.
أيقونة الاحتجاجات الأخيرة كانت مهسا أميني، التي قضت على يد شرطة الأخلاق أو ما يعرف بشرطة الإرشاد، بعد تلقيها ضربة مبرحة على رأسها أودت بها قتيلة، لتشهد البلاد موجة عنف واحتجاجات شديدة، طالت فيها الهتافات النيل من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.
السلطات الإيرانية تفتح أبواب البلاد على مصراعيها أمام الطالبات الأفغانيات، فيما تشهد البلاد في الوقت نفسه حملة لطرد 100 ألف نازح، ووقف استقبال نازحين جدد داخل البلاد، كما شددت إجراءات تصاريح الحصول على الإقامة، وضيقت سبل العيش على عديد من اللاجئين غير الثبوتيين، حسب عديد من التقارير الحقوقية.
تهافتت الجامعات الإيرانية إلى الإعلان عن استعدادها لقبول الطالبات الأفغانيات إلى أن يتم رفع القيود عنهن، ومنها جامعة الزهراء في طهران التي أبدت استعدادها قبول 50 طالبة، وجامعة حضرة المعصومة في قم بقبول 300 طالبة حضوريا، و1000 طالبة بنظام التعليم عن بعد.
يفرض النظام الإيراني قيودا على المرأة، لا تقل قساوة عن تلك التي تستخدمها طالبان، فالعقوبات في إيران تطول المرأة لمظهرها، وكيفية اختلاطها في الحياة العامة، إذ يحظر عليها الوجود في حفلات عامة مختلطة، وحضور المباريات الرياضية، والخروج دون حجاب.
وشهدت الأشهر الماضية مزيدا من التقييد على النساء في إيران، وذلك بفرض أحد أكثر القوانين إثارة للجدل في البلاد، والذي ظل حبيسا في الأدراج لأعوام طويلة، وهو قانون الحجاب والعفة، الذي أقره الرئيس إبراهيم رئيسي أخيرا، وأعقبته تظاهرات لم تتوقف حتى الآن في الشوارع الإيرانية.
على الرغم من وعودها بتقديم حيز أوسع من الحريات للنساء، إلا أن السلطات الإيرانية بدأت بمحاسبة كل السيدات المعترضات على رفض الحجاب، وكذلك تعريض غير الملتزمات به لعقوبة الحبس، والخضوع لجلسات إرشادية من قبل شرطة الأخلاق التي تشكلت بموجب القانون لمراقبة حجاب النساء في الأماكن العامة.
واجه قرار إيران بفتح أبواب جامعاتها للفتيات الأفغانيات استهجانا في الداخل والخارج، نظرا لكيله بمكيالين تجاه المرأة، حيث يصطف خلف الأفغانيات إزاء منعهن من التعليم، بينما يمارس أشد أنماط القمع تجاه المرأة الإيرانية، وتزايدت هذه الانتقادات بشكل كبير عقب إقرار قانون الحجاب والعفة، وممارسة وحدة شرطة الأخلاق عملها في الشارع الإيراني بعنف شديد تجاه الفتيات غير الملتزمات بالحجاب المناسب.
ملف حقوق الإنسان وحرية المرأة من أكثر الملفات الخلافية بين إيران والغرب، وأكثرها إثارة للانتقادات الدولية، حيث ظهر مقطع فيديو عقب أيام قليلة من إقرار قانون الحجاب، يظهر عربة شرطة تابعة لوحدة شرطة الأخلاق بمدينة رشت، تلقي بسيدة لا تحكم الحجاب على رأسها على قارعة الطريق، وهو الفيديو الذي أثار انتقادات واسعة لوحدة شرطة الأخلاق التي تسببت ممارساتها في اندلاع أطول موجة احتجاجات تشهدها إيران منذ الثورة الإسلامية، ولم يستطع النظام الحاكم إخمادها حتى الآن.
يجد النظام الإيراني فرصة لتبييض وجهه تجاه الانتقادات الموجهة له على خلفية القيود، التي يفرضها على المرأة في الداخل، وذلك من خلال الإعلان عن قبول مزيد من الطالبات الأفغانيات في الجامعات الإيرانية، وربما سعى أيضا لتوجيه الانتباه ناحية الفرص التعليمية التي تحظى بها المرأة الإيرانية، وكذلك إلهاء الرأي العام الداخلي بمشكلات الخارج وإلقاء الضوء عليها لتشتيت الانتباه عما يحدث في الداخل الإيراني.
كما يخفي النظام أهدافا أخرى على غرار، السعي الإيراني السابق لاستقطاب اللاجئين الأفغان على أراضيها، والاستعانة بهم في تكوين ميليشيات مسلحة تابعة لمؤسسة الحرس الثوري للمحاربة في سورية، على غرار فيلق "فاطميون"، فهي تعمل أيضا على استقطاب فئات من الداخل الأفغاني، سعيا للحفاظ على النفوذ الإيراني في أفغانستان، وقد بدأت في ذلك من خلال قوافل مساعدات إنسانية للمناطق الشيعية المنكوبة بهجمات تنظيم داعش عليها، ومن خلال مؤسسات خيرية استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في أغلب المحافظات الأفغانية، منذ أعوام عدة.
إلى ذلك، وفي أفغانستان تحديدا تنتشر مقولة "النساء للإنجاب"، ما ساعد على انتشار انتهاكات لحقوق الإنسان في بلد يعد الأكثر تخلفا، ومصدرا للنزاع والاضطرابات.

الأكثر قراءة