طهران .. الدولة العميقة ومسؤوليتها عن الضربات الأخيرة
تعرضت مدن إيرانية إلى ضربات جوية بطائرات مسيرة مجهولة المصدر أخيرا، وتباينت ردود الأفعال حولها بالنفي والتأكيد، فيما يتعلق بفشلها أو نجاحها، لكن المؤكد أنها طالت شرق العاصمة طهران، ومدنا أخرى كرشت، همدان، وأصفهان، فيما تشير التوقعات عن أطراف عدة قد تتورط في هذه الضربات، نظرا للعداوة العالمية للنظام الإيراني، الذي يحظى بعد كل ضربة بجرعة مهدئة من الدول الغربية، للتخفيف من حدة التوتر في المنطقة والعالم.
أظهرت مقاطع مصورة لرد كثيف لأنظمة الدفاع الجوي من المضادات الأرضية المحاذية لمواقع التصنيع العسكري التابعة للحرس الثوري، التي سبق أن استهدفت سابقا، بعد نحو أسبوعين من تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة لمصلحة إجراء يدعو الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وكانت نتيجة التصويت 598 صوتا مؤيدا مقابل تسعة أصوات معارضة، مع 31 متغيبا، لكن للتخفيف من حدة الأزمة المرتبطة بالضربات الأخيرة، اختار وزراء خارجية "الاتحاد الأوروبي" فرض العقوبات على مزيد من الأفراد التابعين للحرس الثوري على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان بدلا من تصنيفه جماعة إرهابية.
التعليق الرسمي الإيراني غائب كعادته، لكنه يوجه أصابع الاتهام على استحياء أن الهجمات تحمل توقيع إسرائيل، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر دعمها لمجاهدي "خلق"، وتنفيذهم هذه الضربات، لكن الإمكانات الكبيرة للعملية تشير إلى أن الفاعل منظم ومستعد ومجهز بعناصر على الأرض، وهذا ما يقلل خيارات التخمين بمن هو الفاعل.
لوائح الاتهام الإيرانية تشير إلى إسرئيل، لكن -بحسب محللين- قد تكون الضربات من تنفيذ دولة أوروبية كنوع من تصفية الحسابات، خصوصا بعد دخول إيران على خط الأزمة الأوكرانية، كما أن النظام الإيراني نفسه متهم بالوقوف خلف الضربات لتحقيق مآرب ذاتية.
أعقب الهجمات الأخيرة موجة من التصريحات الإعلامية الحادة، قادتها وجوه مقربة من الحرس الثوري، حملت إسرائيل المسؤولية عن الهجمات، ووعدت بالتصعيد ضدها، وضد مصالحها في المنطقة، ما قد يعمل على زيادة التوتر الإقليمي بشكل ملحوظ، خصوصا بعد عودة حكومة بينامين نتنياهو اليمينية المتطرفة إلى المشهد من جديد.
أصوات إيرانية محسوبة على النظام لها تاريخ طويل في طمس الحقائق، أكدت أن الضربات فشلت ولم تحقق أهدافها، فيما وصفت مصادر غربية الهجمات بالدقيقة والمؤثرة، لكن ثمة معطيات واقعية تشير إلى أنها كانت على الأقل، هجمات هادفة، تتبع خطة معينة، وأنه جرى الإعداد لها جيدا، فالضربات العسكرية النوعية هي رسالة للنظام الإيراني بأن الأسلوب قد تغير من وجهة نظر أوروبية أمريكية، كما أن الضربات تحمل رسائل لروسيا.
أدركت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية فاعلة أن الضغوط الاقتصادية، لا يمكن أن تكون كافية لحث إيران على وقف تعاونها العسكري، الذي تراه استراتيجيا مع روسيا، بل اللجوء إلى مزيد من العقوبات الأوروبية والأمريكية سيكون لها دور كبير، في تحول إيران نحو القاعدة الشرقية والروسية تحديدا، وهذا ما سيفاقم الأزمات الأوروبية في ظل الأزمة الروسية - الأوكرانية، التي ستدخل عامها الثاني هذه الأيام.
الأسباب الحقيقية للضربات متعددة أبرزها، سعي المؤسسة العسكرية الإيرانية لتعزيز تعاونها الاستراتيجي مع روسيا، بهدف الحصول على تقنيات عسكرية روسية حديثة، من ضمنها التزود بطائرات سوخوي 35 المتطورة، والحصول على منظومات الدفاع الجوي المتطورة، خصوصا منظومة إس-400، وتطوير قدرات إيران في مجال إنتاج الصواريخ فرط الصوتية، والصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية.
كما تشير التقارير بشأن خطط طهران لتزويد موسكو بالصواريخ البالستية، مقابل الحصول على تقنيات عسكرية روسية متطورة، تمكنها من التصدي للهجمات الإسرائيلية، التي تتميز بتكنولوجيا الحرب الإلكترونية المتطورة، والطائرات الشبحية، التي تصول وتجول في الأجواء الإيرانية دون وجود حسيب أو رقيب بسبب تهالك منظومة الدفاع الجوي الإيرانية.
مصادر صحافية إيرانية معارضة، أشارت إلى أن الضربات قد تكون خلفها الدولة العميقة في طهران، التي تريد ابتزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ناحية واستعطافه من ناحية أخرى، حيث استهدفت الضربات الأخيرة مستودعات عسكرية، لنقل العتاد العسكري، والقطع الحربية الإيرانية التي ستصدر إلى روسيا، قبل أن تشحن من ميناء قريب من مدينة رشت على ضفاف بحر قزوين، لتنقل بحرا نحو موانئ روسيا.
إلى ذلك، تحمل هجمات مدينة همدان الواقعة في وسط إيران رمزية إضافية للقيادة الروسية، حيث كان الاستهداف على "قاعدة نوجيه الجوية"، التي تضم عددا من طائرات سوخوي 30 الروسية، كما سبق أن استخدمتها القوات الجوية الروسية في صيف 2016، لضرب أهداف في سورية، وتتحدث مصادر عن وجود آليات روسية في هذه القاعدة، توفر دعما لوجستيا، لتسيير الرحلات الجوية العسكرية بين إيران وروسيا.
ومن الأسباب المباشرة التي تقف خلف استهداف المواقع الإيرانية، دخول طهران على خط الأزمة الروسية - الأوكرانية، بعد أن تبنت طهران تزويد موسكو بالطائرات المسيرة، إضافة إلى تزويد القوات الروسية بالصواريخ والأسلحة، ما جعلها في مواجهة علنية مع الدول الأوروبية، التي تمد كييف بالسلاح والأموال، لهزيمة القوات الروسية، وكانت العملية تستهدف ضرب خط الإمدادات الإيراني - الروسي، الذي يعمل على تزويد روسيا بالمسيرات الإيرانية، ويطمح إلى تزويدها بالصواريخ البالستية، كما يعمل على تزويد إيران بالأسلحة والعتاد الروسي.
المؤشرات المرتبطة بتدابير القيادة الروسية، فيما يتعلق بالضربات، ليست على جدول أولويات الرئيس بوتين، الذي يواجه مرحلة جديدة في حربه ضد أوكرانيا بعد قرارات أمريكية أوروبية بدعم الجيش الأوكراني بدبابات متطورة، وأسلحة متوسطة وثقيلة متطورة، قد تغير من موازين القوى في ساحات المعارك، ما يقلل من فرص طهران بالحصول على امتيازات روسية.
وفي ظل الإصرار الإيراني المتوقع على تسريع مسار التعاون العسكري مع روسيا، تبقى احتمالات توجيه ضربات عسكرية أخرى لأهداف سيادية في إيران واردة، ما يفرض على مختلف اللاعبين الإقليميين استكشاف، وتقييم التداعيات المحتملة، سواء لهذه الضربة والضربات اللاحقة المحتملة، أو للرد الإيراني عليها.