صعود الصين يذكر طوكيو بتحالفاتها القديمة

صعود الصين يذكر طوكيو بتحالفاتها القديمة
صعود الصين يذكر طوكيو بتحالفاتها القديمة

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا توسع القوة العسكرية الأكثر طموحا في اليابان منذ إنشاء قوات الدفاع عن الذات في البلاد في 1954. سيرتفع الإنفاق الدفاعي الياباني إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ـ ضعف المستوى الذي ساد منذ 1976 ـ وترسم استراتيجية الأمن القومي الجديدة كل الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية التي ستستخدمها اليابان لحماية نفسها في الأعوام المقبلة، بحسب ما يرصده جوزيف س. ناي الابن، أستاذ في جامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، ومؤلف كتاب "هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترمب" مطبعة جامعة أكسفورد، 2020.
الأمر اللافت للنظر خصوصا هو أن اليابان ستحصل على نوع من الصواريخ بعيدة المدى التي وعدت بالتخلي عنها من قبل، وستعمل مع الولايات المتحدة على تعزيز الدفاعات الساحلية حول "سلسلة الجزر الأولى" قبالة سواحل الصين. في الشهر الماضي في واشنطن، بعد الجولة الدبلوماسية التي قام بها كيشيدا عبر عديد من دول مجموعة السبع، تعهد هو والرئيس الأمريكي جو بايدن بتعزيز أواصر التعاون الدفاعي. بين العوامل التي عجلت بهذه التغييرات زيادة عدوانية الصين ضد تايوان، وخصوصا العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي ذكـرت جيلا جديدا بطبيعة العدوان العسكري.
بطبيعة الحال، يخشى بعض جيران اليابان أنها قد تعود إلى موقفها العسكري الذي كانت عليه في ثلاثينيات القرن الـ20. عندما عمل سلف كيشيدا، الراحل آبي شينزو، على توسيع التفسير الدستوري للدفاع عن الذات ليشمل المهام الجماعية مع حلفاء اليابان، تسبب ذلك في تأجيج المخاوف داخل المنطقة وبين بعض شرائح المجتمع الياباني.
لكن مثل هذا الـجـزع يمكن الحد منه عن طريق شرح الخلفية الدرامية الكاملة. بعد الحرب العالمية الثانية، ساءت سـمعة النزعة العسكرية بشدة داخل اليابان، وليس فقط لأن الدستور الذي فرضته الولايات المتحدة قضى بأن يكون دور المؤسسة العسكرية اليابانية مقتصرا على الدفاع عن الذات. أثناء فترة الحرب الباردة، كان أمن اليابان يعتمد على التعاون مع الولايات المتحدة. وعندما انتهت الحرب الباردة في تسعينيات القرن الـ20، عد بعض المحللين ـ في كل من البلدين ـ المعاهدة الأمنية الثنائية التي كانت سارية منذ 1952 من بقايا الماضي، وجرى إنشاء لجنة يابانية لدراسة ما إذا كان بمقدور اليابان الاستغناء عنها، من خلال الاعتماد على الأمم المتحدة، على سبيل المثال، بدلا منها.
لكن نهاية الحرب الباردة لم تكن تعني أن اليابان لم تعد تعيش في منطقة خطرة. فجارتها الأقرب إليها كوريا الشمالية، التي يحكمها نظام ديكتاتوري لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، الذي استثمر موارد البلاد الاقتصادية الشحيحة على نحو مستمر في التكنولوجيا النووية والصاروخية.
المصدر الأكبر والأطول أمدا للقلق هو صعود الصين، التي تجاوزت اليابان باعتبارها الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم في 2010، التي تنازع سيطرة اليابان على جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي. وفي الشمال، نجد روسيا المسلحة نوويا التي تطالب بأراض تسيطر عليها بالفعل وكانت تابعة لليابان قبل 1945. وعلى الجبهة الاقتصادية، تظل اليابان معتمدة على واردات تنتقل عبر مناطق متنازع عليها مثل بحر الصين الجنوبي. هذا مصدر دائم للخطر، لأن منطقة شرق آسيا، على النقيض من أوروبا بعد 1945، لم تستفد قـط من المصالحة الكاملة بين المتخاصمين أو المؤسسات الإقليمية القوية الراسخة.
في مواجهة هذا الوضع، كانت الخيارات المتاحة لليابان لضمان أمنها أربعة، واحد منها فقط كان واعدا بشكل كبير. من الواضح أن إزالة النزعة السلمية من دستورها وإعادة تسليح نفسها بشكل كامل كدولة نووية خيار باهظ التكلفة والخطورة ويفتقر إلى الدعم المحلي. في الوقت ذاته، لن يكون السعي إلى الحياد والاعتماد على ميثاق الأمم المتحدة كافيا لتوفير القدر الملائم من الأمن، في حين يعني تشكيل تحالف مع الصين منحها قدرا أكبر مما ينبغي من النفوذ على السياسة اليابانية. أو كان بوسعها، أخيرا، أن تحافظ على تحالفها مع قوة عظمى نائية.
هذا التحالف هو الخيار الأكثر أمانا والأكثر فاعلية من حيث التكلفة. لكن منذ فاز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة في 2016، ساور القلق بعض اليابانيين إزاء تحول أمريكا إلى العزلة. حتى في أوائل تسعينيات القرن الـ20، عندما كنت مشاركا في إعادة التفاوض على شروط التحالف الأمريكي - الياباني عند نهاية الحرب الباردة، كان كبار المسؤولين اليابانيين يسألونني ما إذا كانت الولايات المتحدة لتتخلى يوما ما عن اليابان مع اكتساب الصين مزيدا من القوة. في ذلك الحين، كان كثيرون من الأمريكيين ينظرون إلى اليابان باعتبارها تهديدا اقتصاديا، وكان كثيرون من اليابانيين منفتحين على نهج أكثر تمحورا حول الأمم المتحدة لضمان أمنهم القومي.
ثم تغير الوضع مع تقرير استراتيجية شرق آسيا الصادر عن إدارة كلينتون في 1995، الذي دعا إلى مشاركة صينية أكبر في الشؤون الدولية، لكنه تحوط أيضا ضد عدم اليقين من خلال تعزيز التحالف مع اليابان. في 1996، أوضح إعلان كلينتون-هاشيموتو في طوكيو أن التحالف الأمني بين الولايات المتحدة واليابان يشكل الأساس للاستقرار في شرق آسيا بعد الحرب الباردة. مع ذلك، لم يخل الأمر من تساؤلات حول مصداقية الضمانات الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى إدارة مناقشات بين خبراء الأمن الأمريكيين واليابانيين، الذين ساعدوا على بلورة مبدأ "الردع الموسع" الأمريكي.
يتمثل أفضل ضمان أمني في وجود القوات الأمريكية، التي تساعد اليابان على الإنفاق عليها بدعم سخي من الدولة المضيفة. كانت التدابير الجديدة التي أعلنها كيشيدا وبايدن في كانون الثاني (يناير) مصممة لتعزيز هذا الضمان وتوفير التأمين المجدد في حال عودة ترمب أو شخص من أنصار فـكر ترمب إلى البيت الأبيض. الأمر المهم هنا هو أن هذه التدابير لا تعطي جيران اليابان أي سبب للخوف من احتمال استرجاعها ميلها إلى العدوان. الواقع أن تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة واليابان هو أفضل طريقة لضمان عدم عودة اليابان إلى ذلك على الإطلاق.
على مدار العقدين الماضيين، أصدر نائب ريتشارد أرميتاج وزير الخارجية السابق تقارير ثنائية الحزبية حول كيفية تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة واليابان. وكما يوضح أحد هذه التقارير، "في ظل التغيرات الديناميكية التي تحدث في مختلف أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من غير المحتمل أن تحظى اليابان أبدا بمثل هذه الفرصة للمساعدة على توجيه مصير المنطقة. وفي اختيار القيادة، تستطيع اليابان أن تعمل على تأمين مكانتها كدولة من الدرجة الأولى والتأكيد على دورها الضروري كشريك على قدم المساواة في التحالف".
في هذا السياق، يمكننا اعتبار التدابير التي اتخذها كيشيدا أخيرا خطوات مناسبة في الاتجاه الصحيح. ينطوي الأمر على إمكانات هائلة لتطوير شراكة أكثر مساواة والعمل مع آخرين من أجل توفير الأمن المشترك. سيكون هذا مفيدا للولايات المتحدة، ومفيدا لليابان، ومفيدا لبقية العالم. وتوفر الأحداث الأخيرة أرضية للتفاؤل بشأن مستقبل التحالف بين الولايات المتحدة واليابان والاستقرار في شرق آسيا.

الأكثر قراءة