التوتر الأمريكي - الصيني .. قواعد جديدة واستراتيجيات بعيدة
طغى التوتر على العلاقات الأمريكية - الصينية في الآونة الأخيرة، بعد أن استبعدت العقيدة القومية الأمريكية التنين الصيني من تصنيف الأشد خطورة، وفصلها عن روسيا، التي كانت على رأس قائمة الأكثر خطورة وعداوة لواشنطن، لتبدأ سلسة التوتر بدءا من زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، في آب (أغسطس) 2022، إضافة إلى المناورات والتدريبات العسكرية الصينية في محيط تايوان وبحر الصين الجنوبي، وما صاحبها من تحليق للطائرات الأمريكية فوق القطع البحرية العسكرية الصينية.
الأجواء الأمريكية كانت سببا في إعادة التوتر إلى أوجه بعد أن عبر البالون الصيني أو ما يعرف في "بالون التجسس الصيني"، ليضع الحكومة الأمريكية أمام مأزق شعبي، بعد أن طار أمام أعين الملايين من الأمريكيين وعلى مرأى ومسمع من كل سكان المعمورة عبر وسائل الإعلام المختلفة، التي غطت دخوله الأجواء الأمريكية حتى إسقاطه بطائرة مقاتلة أمريكية بأمر رئاسي.
الأحداث وما يتبعها من مؤشرات مرتبطة بالتوتر بين البلدين، كشفت عن تداول وسائل الإعلام الأمريكية وثيقة سرية تتضمن تنبؤ الجنرال مايك مينيهان رئيس قيادة الحركة الجوية الأمريكية، باندلاع حرب بين الصين والولايات المتحدة في عام 2025، بالتزامن مع زيادة حدة التوتر بين البلدين بسبب الدعم الأمريكي لاستقلال تايوان عن الصين.
وعلى الرغم من نفي المسؤولين الأمريكيين اعتمادهم التقييم السابق، فإن ذلك لا ينفي أن العلاقات بين واشنطن وبكين قد أصبح يغلب عليها الطابع الصراعي، حيث يكتسب التقدير السابق أهميته من منصب كاتبه وخبرته، الذي شغل سابقا منصب نائب رئيس القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما يجعله مطلعا على تطورات المشهد الإقليمي العسكرية والآفاق المستقبلية للعلاقة ما بين البلدين.
شهدت الآونة الأخيرة، عديدا من تصريحات القادة العسكريين الأمريكيين، التي تفصح عن توقيتات زمنية تقريبية للعمل العسكري الصيني المحتمل ضد تايوان على مدى العامين الماضيين، ففي آذار (مارس) 2021، قال الأدميرال فيليب ديفيدسون رئيس القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، إن الصين يمكن أن تهاجم تايوان بحلول عام 2027، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2022، قال الأدميرال مايكل جيلداي قائد البحرية الأمريكية، إن البنتاجون يجب أن يكون مستعدا لعمل عسكري في أي وقت.
ارتفعت مؤشرات التوتر، حتى بلغت حدود إلغاء أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، زيارته التي كانت مقررة إلى الصين، في 6 شباط (فبراير) 2023، وذلك على خلفية اتهام واشنطن للصين بإرسال منطاد تجسس إلى الأراضي الأمريكية، وهي كلها مؤشرات على أن التوتر بات هو الحاكم للعلاقات بين الجانبين.
كما سبق أن أقرت الإدارة الأمريكية قانون الإنفاق الدفاعي الأمريكي مبيعات أسلحة تصل إلى عشرة مليارات دولار لتايوان، فيما تستمر واشنطن في تبني سياسات معادية بشكل واضح للصين، كما في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي تنظر إلى الصين باعتبارها المنافس الأوحد للولايات المتحدة، وأن الصين تمثل تهديدا لأنها تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا وتكنولوجيا.
إلى ذلك، كشف سلاح المشاة البحرية الأمريكي أخيرا، عن خطة جديدة عرفت باسم "بنية القوة 2030"، تهدف إلى تطوير قوات المشاة لتعزيز استعدادها لسيناريو اندلاع مواجهة محتملة مع الصين، وهي الخطة التي أثارت انتقادا كبيرا حتى شباط (فبراير) 2023، وذلك بسبب اتجاهها إلى التخلص من كل الدبابات التي بحوزة قوات المشاة، فضلا عن تخفيض عدد كتائبها، إضافة إلى استبدال نحو ثلاثة أرباع بطاريات المدفعية المقطورة بأنظمة صاروخية بعيدة المدى، وكذلك تخفيض عدد أسراب طائرات الهليكوبتر.
كما سيتم تسليح قوات "2030" بصواريخ جديدة مضادة للسفن يمكن إطلاقها من البر، وأنظمة جوية جديدة من دون طيار، ويرى المخططون العسكريون الأمريكيون أن هذه الخطط مستمدة من الدروس والعبر، التي توفرها الحرب الروسية - الأوكرانية.
في 2014 وقعت الولايات المتحدة مع الفلبين اتفاقا للتعاون الدفاعي المعزز، لتتسع رقعة التوتر حتى مياه الفلبين المتنازع عليها، حيث أعلن البلدان أنهما أبرما اتفاقا يسمح للجنود الأمريكيين باستخدام أربع قواعد إضافية لديها، ليرتفع عدد القواعد الأمريكية في الفلبين إلى نحو تسع قواعد، وهو ما يأتي في إطار السياسات الأمريكية الرامية إلى الاستعداد لأي حرب محتملة مع تايوان، كما أن واشنطن تهدف من هذه القواعد إلى مراقبة التحركات الصينية العسكرية في بحر الصين الجنوبي.
ويتيح الاتفاق للقوات الأمريكية الوجود في خمس قواعد فلبينية، بما فيها القريبة من المياه المتنازع عليها، كما يفوض الجيش الأمريكي بتخزين المعدات والإمدادات الدفاعية في تلك القواعد، وتسببت هذه الخطوة في إثارة غضب الصين، وزادت من حدة التوتر في المنطقة، ورفعت من مستوى التهديد للاستقرار والسلام الإقليمي، وفقا لماو نينج المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، في مطلع شباط (فبراير) الجاري، وتكشف هذه الاستعدادات العسكرية الأمريكية عن أن واشنطن تتحرك لتمهيد مسرح العمليات في جنوب شرق آسيا لأي صراع عسكري قادم مع الصين.
سلسة التوتر المرتبطة بحرب القواعد مستمرة من الطرف الأمريكي بشكل مباشر وغير مباشر، حيث أعلنت وزارة الدفاع اليابانية في كانون الثاني (يناير) 2023، أنها تشرع في بناء قاعدة جديدة في جزيرة ميج في كاجوشيما، حيث ستقوم الوزارة أولا ببناء مدرجات ومرافق تخزين الذخيرة، وسيمهد المشروع الطريق لنقل موقع تدريب المقاتلات الأمريكية من جزيرة إيووتو في المحيط الهادئ، على بعد نحو 1250 كيلومترا جنوب طوكيو إلى القاعدة الجديدة، كما أن القاعدة الجديدة مسخرة، لخدمة حاملات الطائرات الأمريكية للعمل باستمرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
بدورها، علقت اليابان على القاعدة بالقول "تأتي في وقت تتسم فيه البيئة الأمنية بأنها الأشد تعقيدا في حقبة ما بعد الحرب الباردة"، في إشارة إلى تنامي قدرات الجيش الصيني، واتجاه الولايات المتحدة إلى تحجيم تهديداته، بما يحمله ذلك من تنامي التوتر في جنوب شرق آسيا.
عسكريا، أكد جيش التحرير الشعبي الصيني أخيرا، أن القدرات الرئيسة لصاروخه البالستي المضاد للسفن "واي جيه – 21، الذي يعني ضربة الصقر 21، ويفوق سرعة الصوت بنحو 10 ماخ، لا يمكن هزيمته بأي نظام دفاع جوي مستخدم على السفن الحربية، في تأكيد أن الصين بات بإمكانها تطبيق استراتيجية "المنع من الدخول والحرمان من الوصول" للسفن المعادية لها حول تايوان.