الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد

الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد
الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد
الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد
الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد
الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد
الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد
الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد

يحظى الشعر بمكانة مرموقة في المجتمع السعودي، وذلك لعوامل تاريخية عريقة تعود لما قبل الإسلام، فالشعر ديوان العرب وسجل مفاخرهم وأخبارهم، ومن ثم فإن إطلاق المملكة العربية السعودية عام الشعر 2030 يحمل دلالات عميقة تنسجم مع ثقافة المملكة وأصالتها، كما يعبر أيضا عن طموح المجتمع السعودي في الارتقاء بروافد الهوية لتعزيز الانتماء، وإبراز هذا المكون الحضاري الأثير إلى أدباء السعودية وقراء الشعر ومحبيه، وهو ما عبر عنه الأمير بدر بن فرحان وزير الثقافة صراحة عندما قال: "وانطلاقا من رؤية السعودية 2030، التي يقودها سمو ولي العهد - يحفظه الله - نسعى في وزارة الثقافة إلى تعزيز هذه المكانة للشعر العربي في ثقافة الفرد، والتأكيد على مكانته الكبيرة في مدار الشعر الإنساني عموما، وإثراء الإبداع الشعري المتطور والمستدام بكل قوالبه وأشكاله، ونفخر بإبراز المكون الحضاري الشعري العربي المتميز عن بقية الفنون بكونه وعاء الحكمة والمعرفة والتأثير الاجتماعي الأكبر، وتجذره في تاريخ الجزيرة العربية، كما نعتز بقيمة الشعر السعودي المعاصر ومكانته البارزة على مستوى العالم العربي".
حين يهيم الفؤاد بحب الوطن، يزهر الشعر ألوانا من الجمال المتدفق، تعبيرا عن فخر الانتماء، وعشقا يسكن القلوب، وينمو مع مرور الزمن، ذلك هو الشعر السعودي في يوم تأسيس مملكة لا تغرب عنها شمس النهضة ولا يغادر أرضها الفرح وتجديد الرؤية نحو مستقبل زاهر، فلا راد لهيام الشاعر بوطنه، يقول علي الحازمي في قصيدة بعنوان "أجمل وطن":


دعوني فقد هام الفؤاد بحبه     وما منيتي إلا الحياة بقربه
فليس له بين البلاد مشابه ‍    وكل بني الإسلام تحدو لصوبه


ومع كل هذا العشق للوطن، لم يكن الشعر السعودي مجرد لون أدبي يعبر عن المشاعر أو المفاخر، وإنما شكل جزءا من الهوية العربية والدينية والوطنية والإنسانية للأمة السعودية في أبهى صورها وأجل معانيها، فقد ضم مدونة ضخمة من القصائد المعبرة عن الهوية السعودية، ومنها قصيدة "أنا السعودي" للأمير خالد الفيصل، افتتحها بقوله:


أنا السعودي رايتي رمز الإسلام       وأنا العرب وأصل العروبة بلادي
وأنا سليل المجد من بدء الأيام          الناس تشهد لي ويشهد جهادي


ولذلك لم يكن غريبا أن يخلد الشعر السعودي مفاخر المملكة العربية السعودية وأمجادها منذ أسست الدرعية على يد مانع المريدي عام ٨٥٠ للهجرة ١٤٤٦ للميلاد، ليستمر وهج الشعر مشرقا بجماليات الانتماء لهذا البلد المعطاء، لا سيما بعد تأسيس الدولة السعودية الأولى منذ ثلاثة قرون عريقة على يد الإمام محمد بن سعود، قال سلطان السبهان في قصيدة له بعنوان "نجمة التأسيس" بث فيها مشاعر الحب والانتماء لهذا الوطن الغالي، وصور رحلة تأسيس هذا الكيان انطلاقا من المدينة الدولة الدرعية:


ناداك من وادي حنيفة نخله       قد أومضت لك نجمة التأسيس
عربية الأنساب عالية السنا       من عهد طسم عمرت وجديس
لاحت لمانع وهو صقر عروبة       لم تحظ قبل كفوفه بمسيس
درعية في درعها مذ طهرت       لم تخترقها نية التدنيس


ولم يعد الشاعر السعودي هذا التوجه الإبداعي ترفا أدبيا أو حدثا ظرفيا مؤقتا، بل رآه واجبا وطنيا، يعكس حبا صادقا لقيادته، فهو لا يمدح بقدر ما يعتذر عن التقصير، إيمانا منه بأن الوطن يستحق أكثر وأكثر، ومن ذلك غازي القصيبي عندما خاطب الملك الهمام عبدالعزيز رحمه الله، في قصيدة بعنوان "أغنية للفارس والوطن" افتتحها بقوله:


أسرج حصانك قرن الشمس ينتظر     وهز بندك يسمع خفقه الظفر
تنفست لهفة الصحراء عن نبأ       عذب كما سال في قلب الظما المطر


ثم اختتمها بالاعتذار في إشارة بليغة إلى أن الشعراء مهما عبروا عن تغنيهم بالوطن وقيادته، تظل القصيدة قاصرة عن الوفاء، فيكون العمل أبلغ من القول في الدفاع عن حوزة الوطن بالسنان كما اللسان:


عبد العزيز نظمت الفخر ملحمة     بها تظل عيون الشعر تفتخر
وجئت أحمل أبياتي على خجل       ما جئت أمدح لكن جئت أعتذر


وقد أبدع الشعر السعودي أروع القصائد في التغني بأرض الفداء النابعة من قداسة البقعة الطاهرة، التي تستحق من الإنسان أن يفديها بالغالي والنفيس، كما قال حسين عرب:


شبه الجزيرة أرضها وسماؤها     حرم على من رام أن يتصيدا
أرض الفداء ومهده وغراسه       أفدي بنفسي المفتدي والمفتدى


وهي المعاني التي تحضر في جل قصائد التغني بالوطن، كما في قصيدة الأمير عبدالله الفيصل:


أفديك يا وطني إذا عز الفدا        بأعز ما جادت به نعم الحياه
 كل الوجود وما احتواه إلى الفنا      إلا هواك يظل مرفوعا لواه


ويجود الشاعر بالروح ونور العين فداء وطنه، ومن ذلك قصيدة "بلادي" لطاهر زمخشري:


بلادي فداؤك روح وعيني     لنور يشع من المسجدين
بلادي بلادي بلاد الهدى     تجاوزت بالمجد أقصى المدى


هكذا، تمثل جماليات الانتماء للوطن اتجاها في الإبداع الشعري السعودي يرصد موضوعه عشق الوطن ويتغنى بمفاخره وأمجاده، ويعبر عن الشوق إلى أهله والحنين إلى دياره ومعالمه، والوفاء لقياداته لما بذلوه في بناء الوطن وارتقائه، منذ التأسيس ومرورا بالتوحيد وانتهاء بالنهضة الشاملة التي تنعم في رحابها المملكة العربية السعودية وتبشر بمزيد من المجد والعلا. يقول علي الدميني:


ولي وطن قاسمته فتنة الهوى        ونافحت عن بطحائه من يقاتله


إن التغني بالوطن ورموزه، لم يكن وليد ظروف جديدة في عصرنا، وإنما هو اتجاه أصيل في الإبداع السعودي، فكثير من الشعراء قبل الإسلام وبعده، كانوا لسان قبائلهم في هذه الأرض المباركة، يدافعون عن مجد آبائهم بالكلمة الصادقة، فكانت قصائدهم تكتب بماء الذهب اعترافا بما فيها من معاني الفخر بالانتماء لقيم الجماعة، لتكون تلك القصائد في تلك الأزمنة بمنزلة النشيد الوطني بلغة عصرنا، واليوم إذ نستحضر في ذكرى تأسيس المملكة هذه المعاني، فإنما نروم بث روح الحماس الوطني وترسيخ قيم الوفاء للقيادة الحكيمة التي رفعت رأس الوطن عاليا في كل المجالات، ومنحت الإنسان السعودي قيمة عليا جعلته لا يتردد في البوح بمشاعر المحبة لهذه القيادة الرشيدة، حيث نجد لهذه المحبة صدى بارزا في الشعر السعودي، يقول عبدالله بن خميس وهو يبوح بمشاعره معبرا عما في نفسه ونفوس أبناء هذا الوطن تجاه حكامهم الأماجد:

 

تبناه من آل السعود الأماجد       لدن رفع الشيخ الوقور نداءه 
بأني للدين الحنيف مجدد       فآزره آل السعود ولم ينوا 
لإعلاء دين الله أبلوا وشيدوا       فأرسوا على أرض الجزيرة دولة
يحوط حماها مصحف ومهند       فمن هاهنا سادوا ومن هاهنا علوا
ومن هاهنا تاج العلا كان يعقد       ومن هاهنا شوس الملوك تتابعوا

 

ويطالعنا محمد إبراهيم يعقوب بأبيات مصورا مجد هذا الوطن، ويتغنى برموزه  : 


أنا السعودي رددت النشيد هوى       في المجد جذري وفي العلياء سنبلتي
سلمان هذا العلو الرحب في لغتي       به الكنايات زهوا خارج اللغة


ولذلك فإن موقف المثقف السعودي من ثقافته الوطنية وثوابت أمته وقيادته الحكيمة، يصدر في الشعر السعودي بعفوية وتلقائية معبرا عن صدق الموقف وثباته، وهو ما نلمسه بوضوح في شعر كثير من رموز الحركة الإبداعية والفكرية في السعودية، ومنهم غازي القصيبي مخاطبا الوطن:


كـأني إذا مــــا لثمتـك       ألثم راحة أمي .. وجبهة ابــــــني


وهو معنى بديع يحيل على ربط الماضي بالمستقبل، في إشارة إلى الأم بوصفها الأصل، والابن باعتباره الامتداد، وهي أجمل معاني الوفاء للوطن وأرقاها، ترجمها سيل منهمر من القصائد الوطنية، فاستحق الشعر السعودي أن يكتب بماء العيون وليس بماء الذهب، فالعين التي تحرس الوطن لا تمسها النار، كما ورد في الحديث الشريف: "عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"، وحراسة الوطن بالدفاع عن أمجاده ورموزه وأعلامه، من علامات البر ودلائل السعادة والحبور فرحا بسلامة الأوطان وعلو شأنها بين الدول، نهضة شاملة ورؤية مستنيرة، يقول جاسم الصحيح:


أنا والذين على (ثغورك) عسكروا       سيان يصهرنا بك الإيمان
فأخي على (ثغر) القتال مرابط       حيث الرباط قنابل ودخان
وأنا على (ثغر) الجمال قصيدة       تحميك حين يخونك الغربان


 ولعلي أختم هذا التطواف في الشعر السعودي الأصيل ذي الماضي العريق والحاضر الحي بأبيات لعبدالله بن إدريس أحد أعلام الشعر السعودي في قصيدة له بعنوان " الرياض – سلمان"، ومنها:


إذ كلها وطن بالله وحدها       عبدالعزيز كيانا حقق الحلما 
وجه الرياض مضيء في الظلام لنا       ووجه سلمان دوما يطرد الظلما 

 

وختاما يمكن القول إن الشعر السعودي نجح في كشف الصلات العميقة التي تجمع الشعب السعودي بقيادته الرشيدة، في مظهر من مظاهر العزة والشهامة، لا سيما ونحن نستلهمه في ذكرى تأسيس المملكة التي تشكل مناسبة لتجديد العهد، وترسيخ الوفاء للمجد، وعقد العزم على السير قدما في اتجاه المستقبل المتجدد، والمستنير برؤية حكيمة تبشر بكل جديد ومبهج وسعيد.

الأكثر قراءة