الرئاسيات النيجيرية .. ديمقراطية شكلية بجوهر عرقي
شهدت نيجيريا انتخابات رئاسية، السبت الماضي، 25 فبراير، لاختيار رئيس جديد للبلاد، خلفا للرئيس محمد بخاري، الذي أمضى ولايتين متتاليتين في الحكم (2015 - 2023). وانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية الفيدرالية، الهيئة التشريعية بمجلسيها: الأعلى "مجلس الشيوخ/ 109 أعضاء" والأدنى "مجلس النواب/ 360 عضوا"، على أن تجرى انتخابات حكام ومشرعي الولايات الـ36 المكونة لجمهورية نيجيريا الاتحادية، 11 مارس المقبل.
سابع محطة انتخابات عامة تعرفها البلاد، منذ إعلان الجمهورية الرابعة، عام 1999، بعد استعادة الحكم الديمقراطي من الجيش، الذي قاد الجمهورية الثالثة (1983 - 1999)، بعد انقلابه على الرئيس المدني شيخو شاغاري، المنتخب ديمقراطيا عن الحزب الوطني النيجيري، الذي أسس الجمهورية الثانية (1979 - 1983)، عقب نجاحه في وضع حد لحرب أهلية دام 13عاما، تولد عن فساد صارخ شاب العملية الانتخابية، التي شهدتها الجمهورية الأولى، عام 1966.
تحظى هذه الانتخابات بمتابعة واهتمام بالغين، إقليميا وقاريا ودوليا، لكونها أضخم انتخابات في القارة الإفريقية، فنيجيريا، التي تعد أكبر دولة إفريقية من حيث السكان "216 مليون نسمة"، بإجمالي ناخبين يقدر بنحو 93 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية. استدعي منهم 87 مليون ناخب فقط للإدلاء بأصواتهم، في مراكز الاقتراع البالغ عددهم 176 ألف مركز تصويت، على اعتبار أن ستة ملايين نيجيري لم يسحبوا بطائقهم الانتخابية، ما يعني عدم قدرتهم على التصويت.
يشارك في سباق الرئاسة 18 مرشحا من أحزاب سياسة مختلفة، وإن كانت التوقعات تحصر المنافسة بين أربعة مرشحين فقط، بدءا لتجاربهم السياسية وتاريخهم الحزبي وانتماءاتهم العرقية لأكبر الجماعات الإثنية المهيمنة على التركيبة السكانية في البلد، الفولاني "29 في المائة" واليوروبا "21 في المائة" والإيبو "18 في المائة". وتعد أنه، وبخلاف الانتخابات السابقة، ستكون كلمة الفصيل في هذا النزاع الانتخابي للشباب، فنحو 60 في المائة من السكان دون سن الـ25 من العمر.
قراءة يؤكدها توزيع المرشحين على الخريطة، فالمرشح أبو بكر أتيكو "76 عاما" عن "الحزب الديمقراطي الشعبي" المعارض، وأكثر المرشحين خوضا للسباق الرئاسي بست محاولات، ينحدر من الشمال ومن إثنية الفلاني. ويأتي حاكم ولاية لاجوس بولا أحمد تينوبو "70 عاما"، المرشح باسم "مؤتمر جميع التقدميين"، الحزب الحاكم حاليا، من الجنوب الغربي عن إثنية اليوروبا. وترشح من الجنوب الشرقي، عن "حزب العمال" بيتر جريجوري أوبي "61 عاما"، من إثنية الإيبو. وينحدر رابيو موسى كوانكواسو "67 عاما"، وزير الدفاع السابق خلال فترة حكم الرئيس أولوسيجون أوباسانجو، رابع المتنافسين، عن "حزب الشعب النيجيري الجديد" من إثنية الفلاني بالشمال الغربي.
مشهد سياسي مركب بتعددية حزبية، قوامها ما لا يقل عن أربعة أحزاب قوية متنافسة، بعيدا عن التناوب الحزبي بين الثنائي التقليدي، "الديمقراطي الشعبي" و"مؤتمر التقدميين". من شأن هذا التغيير الجذري في المشهد الانتخابي، بحسب عدد من المراقبين، أن ينهي حسم الانتخابات من الدور الأول، على غرار ما يحدث في جل الانتخابات السابقة، لمصلحة تنظيم دورة ثانية للإعادة والحسم، بين المرشحين الأول والثاني في السباق الرئاسي.
يرتقب أن تضيف هذه التعددية الحزبية بعدا آخر على اللعبة الديمقراطية، في أكبر تكتل سكاني بإفريقيا. لكن الحسم يظل محكوما بعوامل أخرى، أبعد ما تكون عن القواعد المتعارف عليها في التجارب الديمقراطية عالميا. ما جعل أحد الخبراء في الشأن النيجيري يصرح بأن الديمقراطية استطاعت أن تتكيف مع تعقيدات الخريطة العرقية والدينية، التي تبقى أقوى المؤثرات في صياغة وتحديد قواعد النظام السياسي بالبلد.
صحيح أن الحزب وشخصية المرشح والبرنامج السياسي عناصر مؤثرة في النتائج، إلا أنها تأتي في الدرجة الثانية بعد عوامل رئيسة تتمثل في الدين والعرق والانتماء الجغرافي ذات الأهمية القصوى في الانتخابات النيجيرية. فإلى جانب الدستور المكتوب تخضع البلاد لقواعد أو بدقة لاتفاقيات شفوية غير مدونة، تكرس تداولا سلميا على السلطة من منطق جغرافي - إقليمي، فالسلطة الرئاسية، وفق هذا العرف، تخضع لمبدأ التناوب كل ثمانية أعوام بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد.
هكذا إذن بات المعطى المناطقي عنصرا جوهريا في العملية الديمقراطية، فكل منطقة تطالب بالتمثيلية في الحكم، بتولي رئيس ينحدر منها السلطة، فالصراع على أشده حاليا بين أبناء منطقتي الجنوب الشرقي، ممن لم يسند إليهم الحكم بعد، والشمالي الشرقي الذي أنجب أول رئيس وزراء في البلاد، كل هذا دون اعتبار لما تفرزه صناديق الاقتراع. وبلغت الملاءمة درجة أخذ مناضلي الأحزاب السياسية هذا المحدد لحظة اختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية.
للدين أيضا حضور في العملية السياسية، خاصة أن البلاد تعرف تعددية دينية قطباها الرئيسان هما: الإسلام الذي يمثل الأغلبية في الشمال والمسيحية، التي تنتشر في جنوب البلاد، فالمعادلة تفرض، بموجب التوافقات، التي رافقت ولادة الجمهورية الرابعة، ألا يشترك رئيس الجمهورية ونائب الرئيس في الديانة نفسها. وكان الإخلال بهذه القاعدة العرفية أحد الانتقادات الموجهة للمرشح باسم الحزب الحاكم بولا أحمد تينوبو المسلم الذي اختار كاشيم شيتيما، مسلما آخر لمنصب نائب الرئيس في تجاوز واضح للتوافقات السياسية في البلاد.
نيجيريا نموذج للأعطاب، التي تعوق الديمقراطية في القارة السمراء، فالتمسك بشكليات اللعبة بعيدا عن روح الفكرة، التي يبقى خاضعا لمعايير أخرى تنعكس سلبا على عملية الإصلاح والتغيير. فبدل تنافس الأحزاب والمرشحين بحثا عن حلول مبتكرة لمشكلات أكبر دولة نفطية في إفريقيا، وسبل العودة كقوة إقليمية في غرب إفريقيا بعد أعوام من الانعزال خلال حكم الرئيس بخاري، وخطط لمواجهة تيارات العنف والتطرف والانفصال، التي تمزق عددا من المناطق .. وغير ذلك، ما يسهم في نهضة البلاد، والدفع بها قدما كي تصبح تنين القارة السمراء.