إيران تتجاوز الخطوط الحمراء في «التخصيب النووي»
أدى انشغال العالم بالحرب الروسية - الأوكرانية، إلى التغافل عن مشاريع التسلح الإيرانية، التي تجاوزت حدودها تحقيق تقدم جديد مثير للقلق في البرنامج النووي، حيث بلغت نسبة اليورانيوم المخصب 84 في المائة، لتقترب من 90 في المائة، التي تمكنها من صناعة قنبلة نووية، وهو المستوى المطلوب للاستخدام العسكري، فيما حددت لها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" سابقا وعلى هامش مسودة أي اتفاق نووي مع الولايات المتحدة والدول الغربية 3،67 في المائة كحد أقصى للتخصيب.
ويعد هذا الاكتشاف الثاني للوكالة خلال الشهر الجاري، في حين أن مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي لا تزال متعثرة، وأن رفع إيران قدراتها على تخصيب اليورانيوم بـ84 في المائة، سيجعلها قادرة على الانتقال بصورة أسرع نحو امتلاك يورانيوم مخصب بـ90 في المائة وأكثر، وهي المعدلات المطلوبة لاستخدام هذا المعدن الخام لأغراض عسكرية، إلا أن تقريرا لموقع "بلومبيرج" يفيد بأن مستوى التخصيب الأعلى قد لا يكون نهائيا، ويشكل مصدر قلق جدي يتخطى بكثير "الخطوط الحمراء"، لكنه لا يعني بالضرورة أن إيران على وشك صنع قنبلة نووية، وذلك لضعف قدرات كوادرها وقلة خبرتهم في تحويل "سادس فلوريد اليورانيوم" الغازي المستخدم في أجهزة الطرد المركزي إلى معدن صلب وقولبته على شكل أنصاف كرات، لتصبح النواة المتفجرة للقنبلة النووية عند جمعها معا على شكل كرة.
وتعليقا على هذا التطور في الملف النووي الإيراني، قالت الهيئة الأممية عبر "تويتر"، إن مديرها العام رافاييل جروسي "يجري محادثات مع إيران حول نتائج أنشطة التفتيش الأخيرة"، مضيفة أنه "سيطلع مجلس المحافظين على (الخلاصات)"، الذي يعد أحد جهازي تقرير السياسات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى جانب المؤتمر العام السنوي للدول الأعضاء في الوكالة.
ويدرس مجلس المحافظين البيانات المالية للوكالة وبرنامجها وميزانيتها، ويقدم توصيات إلى المؤتمر العام بشأنها، وأوردت "بلومبيرج" أنه "يجب على المفتشين تحديد ما إذا كانت إيران قد أنتجت هذه المادة عن قصد، أو إذا كان التركيز ناتجا عن تراكم غير مقصود" بسبب صعوبات تقنية في أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم.
الاكتشاف الجديد المتعلق بمستويات التخصيب المرتفعة جرى عن طريق المصادفة، حيث تتمتع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بتنفيذ ثلاثة أنواع من عمليات التفتيش في إيران وهي: "التفتيش المعلن" وهو المخطط له مسبقا بالتعاون مع إيران، و"التفتيش غير المعلن" حيث يصل المفتشون فجأة ويطلبون الدخول إلى موقع ما، و"التفتيش العشوائي" وهو أحد أشكال التفتيش غير المعلن إنما نادرا ما يتم اللجوء إليه، وكان أحد المفتشين ذوي الخبرة قد تنبه لتغيير شبكة الأنابيب في موقع "فوردو" خلال عملية تفتيش عشوائية، وهو أظهر بأن عملية التخصيب قامت على إنتاج أجهزة الطرد المركزي الدوارة لمجموعة من قيم التخصيب ضمن نطاق أعلى وأدنى من المستوى المستهدف.
ومع إعلان طهران أنها لا تسعى أبدا إلى تطوير سلاح نووي، إلا أن نسب اليورانيوم عالية التخصيب، وفق ما تقول "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، تسرع من وتيرة الحصول على السلاح النووي، حيث لم يتبق سوى 6 في المائة للوصول إلى اليورانيوم عالي التخصيب، وتكون المهمة نحو استخدام اليورانيوم في إنتاج أسلحة نووية قد أنجزت بـ90 في المائة.
تقوم العملية الأساسية لتخصيب اليورانيوم على فصل نظيري اليورانيوم الرئيسين، أي فصل نظير "يوارنيوم-235" الأخف قليلا عن نظير "يورانيوم-238" الأكثر ثقلا لكن الأكثر عددا، حيث تبلغ نسبة هذه النظائر في اليورانيوم الطبيعي، 993 ذرة من "يوارنيوم-238" مقابل سبع ذرات فقط من "يورانيوم 235".
ولتخصيب اليورانيوم، يتم تغيير هذه النسبة، فعند تخصيب اليورانيوم بـ90 في المائة، تكون المعادلة بين النظيرين 7:1 - أي يكون قد تم نزع 992 ذرة من "يورانيوم-238"، ولا تبعد نسبة 84 في المائة عن هذا المستوى، لذا قد لا يتطلب صنع قنبلة فعلية قابلة للاستخدام سوى إضافة رطل أو اثنين من "يورانيوم-235".
وتأتي الأخبار المنتشرة على موقع "تويتر" التي تستغل مقالة "بلومبيرج"، لتذكر بأن أول قنبلة أمريكية ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية في 1945 كانت مصنوعة من يورانيوم تم تخصيبه بـ84 في المائة تقريبا.
من زاوية أخرى، أكد مسؤولون مطلعون على الملف النووي الإيراني بأن مدى معرفة علماء إيران بأنشطة تصميم الأسلحة هو أقل بكثير من أنشطة التخصيب التي تمارسها، وإذا قررت صنع قنبلة تحملها طائرة، بدلا من صاروخ بعيد المدى، فقد يكون التصميم الضروري أقل تعقيدا، وإذا قررت طهران اختبار جهاز في منطقة صحراوية نائية، فقد يكون ذلك جهازا أكثر بدائية من قنبلة قابلة للتسليم.
وتأتي هذه التقارير وسط تعثر المحادثات لإحياء اتفاق أبرم في 2015 للحد من الأنشطة النووية الإيرانية مقابل رفع عقوبات دولية مفروضة على طهران.
وبالرجوع إلى تاريخ المفاوضات الجديدة، بدأت المحادثات في نيسان (أبريل) 2021 في فيينا بين طهران والقوى الكبرى، لكنها توقفت منذ آب (أغسطس) 2022 في سياق توترات متزايدة، والاتفاق يحتضر منذ انسحاب الولايات المتحدة منه في 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وردا على الانسحاب الأمريكي، تخلت طهران تدريجيا عن التزاماتها الواردة في الاتفاق.