كيف يمكن أن تنتهي حرب أوكرانيا إلى السلام؟

كيف يمكن أن تنتهي حرب أوكرانيا إلى السلام؟

بعد تسعة أعوام من الحرب ـ وعام كامل من القتال المكثف في أعقاب العملية العسكرية الروسية الشاملة ـ يظل مستقبل أوكرانيا مـعتـما. في الغرب، تركز المناقشة الدائرة حاليا بدرجة كبيرة على مسألة شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا. اتفقت ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على تزويد أوكرانيا بالدبابات الحديثة التي كانت في السابق تحجبها عنها، لكن أوكرانيا تطلب الآن أيضا صواريخ أبعد مدى وطائرات مقاتلة.
وهنا يغيب الإجماع بحسب هارولد جيمس أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون. متخصص في التاريخ الاقتصادي الألماني والعولمة، وهو مؤلف لعديد من الكتب. إذ يخشى بعض المراقبين أن يكون في تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة وأسلحة هجومية مجازفة بتصعيد الحرب أو استفزاز رد نووي من الكرملين، ويتساءل آخرون من أنصار نزعة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في الانعزالية الوطنية، لماذا يتعين على دافعي الضرائب الغربيين أن يتحملوا تكاليف الدفاع عن أوكرانيا. مع تسبب هذه المناقشات في مزيد من الانقسام، يتعين على أولئك الذين يعتقدون أن الحرب يجب أن تـخاض أن يفكروا أيضا في الكيفية التي يمكن بها إنهاء الحرب.
هل تكون هذه حربا أخرى لا نهاية لها، أو هل تنتهي إلى نزاع مجمد مع منطقة منزوعة السلاح، أو حتى إلى سلام حقيقي ومستقر؟ من الصعب تقييم احتمالية كل من هذه النتائج. ينبع سيناريو الحرب التي لا تنتهي من افتراض شائع مفاده أن المستقبل هو في الأغلب الأعم استمرار أو استنساخ للماضي. لكن في حين قد يصدق هذا في الأغلب على الحياة الطبيعية، فإن الطوارئ والحالات الاستثنائية تميل إلى أن تتخللها تحولات نموذجية مفاجئة ونقاط تحول.
يفضل أنصار الواقعية "حل" النزاع المجمد". اقترح كل من وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر والقيادة الصينية نسخة من المنطقة المنزوعة السلاح. لكن هذا الخيار "البراغماتي" يفتقر إلى الزخم السياسي، ولن يجد أولئك الذين يدفعون في اتجاهه صعوبة في إلقاء اللوم على الأيديولوجية عندما يفشل حتما.
الواقع أن السلام المستقر مرجح أكثر مما يتصور كثير من المعلقين. فقد تقرر روسيا ذاتها إنهاء الحرب، بل قد يكون بوسع أوروبا والولايات المتحدة اتخاذ خطوات لجعل هذه النتيجة أكثر ترجيحا.
يقدم لنا التاريخ أدلة وفيرة ـ خاصة من التجربة الروسية ـ على الكيفية التي قد تتسبب فيها الحروب رديئة الإدارة في تدمير المؤسسة السياسية، وإيجاد حالة من عدم الاستقرار، وفرض الإصلاحات، وتغيير النظام في نهاية المطاف. كانت هزيمة روسيا في حرب القرم في منتصف القرن الـ19 هي التي قادت القيصر ألكسندر الثاني إلى استنان إصلاحات واسعة النطاق، بما في ذلك إلغاء الـقـنانة.
على نحو مماثل، أدت هزيمة روسيا على يد اليابان في 1905 إلى اندلاع ثورة وتأسيس مجلس الدوما (البرلمان)، وكانت عواقب الحرب العالمية الأولى أشد وطأة، حيث أفضت إلى تدمير النظام الملكي القيصري أولا ثم الحكومة المؤقتة بقيادة ألكسندر كيرينسكي. واستفزت الحرب الكارثية التي شنها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان احتجاجات من أمهات الجنود القتلى وكانت في النهاية العامل المحفز لتفككه.
في روايته بعنوان "(أغسطس) آب 1914"، يستخلص المنشق السوفياتي ألكسندر سولجينتسين درسا من زمن القياصرة لانتقاد وتوبيخ السوفيات. يتساءل بطل روايته، وهو ضابط مثالي نشط من القيادات الوسطى، "هل من الممكن أن يـبـدد البلد مثل هذه الذخيرة من الوطنية العفوية؟ أجل، هذا وارد. فمنذ أيام الحرب الأولى، بدأ الجنرالات يصبون هذه الذخيرة في البالوعة".
لا ينبغي لسيناريو السلام أن ينطوي بالضرورة على أي شيء شبيه بما حدث في برلين 1945 أو في بغداد 2003، عندما دخل جنود أجانب إلى العاصمة. كانت نوبات التحول الذاتي في روسيا تأتي تلقائيا عندما ينهض المواطنون الروس العاديون للتنديد بانعدام كفاءة حكامهم، وفسادهم، وفجورهم.
لكن إمكانية تحقيق السلام الدائم لا تتوقف فقط على الطريقة التي تنتهي بها الحرب بل أيضا على ما قد يحدث بعد ذلك مباشرة.
دعا عدد كبير من المسؤولين البارزين، ومنهم قادة في الاتحاد الأوروبي، إلى استخدام أصول البنك المركزي الروسي المجمدة، ويرغب آخرون في ملاحقة أصول حكـام القـلة. كل هذه الأفكار تستحق الدراسة. وقد يكون من الملائم حقا معاقبة أفراد من الروس، شريطة أن تجري محاسبتهم من خلال تحقيق قضائي موطد على النحو اللائق، مثل محكمة دولية أو ـ من الأفضل ـ روسية.
لكنها ممارسة ظالمة وهـدامة للسلام الدائم أن يستولي المنتصرون على أصول الدولة الروسية من جانب واحد. هذه الموارد ملك للشعب الروسي من الناحية الفنية، وستكون مطلوبة لبناء روسيا جديدة تكف عن الاعتماد على المزيج الذي فرضته اقتصادات بوتن من الصادرات من المواد الهيدروكربونية والنزعة العسكرية.
تقدم ألمانيا بعد 1919 مثالا معروفا لما يجب تجنبه. لقد خـتـم على مصير جمهورية فايمار في اللحظة التي وقـعـت فيها على معاهدة سلام ألزمتها بدفع تعويضات مالية مـهـلـكة. في الممارسة العملية، كان هذا يعني أن ألمانيا الجديدة تكفر عن خطايا ألمانيا القديمة، وكان الديمقراطيون يدفعون ثمن الأضرار التي أحدثها القيصر فيلهلم. ينبغي للروس اليوم ألا يضطروا إلى سداد فاتورة غيرهم. فعلى طول ذلك الطريق يكمن تكرار النزعة العسكرية من تسعينيات القرن الـ20 ونظريات المؤامرة حول خيانة روسيا وإذلالها "وهو حديث يحمل أوجه تشابه مخيفة مع ما حدث لألمانيا في عشرينيات القرن الـ20".
يجب أن تضع مناقشات إعادة البناء في الحسبان أيضا الاستجابة العالمية شديدة الاستقطاب للحرب التي تشنها روسيا. فقد امتنعت الصين والهند وجنوب إفريقيا و29 دولة أخرى عن التصويت في أحدث تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة العملية العسكرية الروسية. كان بين اعتراضاتهم الرئيسة على تقديم الدعم غير المشروط لأوكرانيا أن عديدا من ضحايا الحرب والظلم الآخرين في مختلف أنحاء العالـم ظلوا إلى الآن مهملين أو منسيين.
المطلوب إذن هو إطار أكثر عمومية لإعادة بناء المجتمعات التي خربتها الصراعات. ويجب أن يكون هذا الإطار مشابها للنهج المتبع بعد الحرب العالمية الثانية، الذي أنشأ إدارة الأمم المتحدة للإغاثة وإعادة التأهيل في تشرين الثاني (نوفمبر) 1943، قبل فترة طويلة من انتصار الحلفاء. إذا صـورت نهاية الحرب في أوكرانيا على أنها جزء من مشروع عالمي أوسع لتقديم الدعم لكل ضحايا العدوان، والغزو، والعنف، فمن المرجح أن تكتسب دعم العالـم. والروس أيضا سيرون أن هناك بدائل أفضل كثيرا.

الأكثر قراءة