تسميم طالبات إيران .. شرخ كبير بين مؤسسات الدولة

تسميم طالبات إيران .. شرخ كبير بين مؤسسات الدولة
تسميم طالبات إيران .. شرخ كبير بين مؤسسات الدولة

شهدت الأشهر الماضية دعوة رسمية إيرانية للطالبات الأفعانيات، اللواتي تم منعهن من التعليم بسبب قرارات حكومة طالبان في كابل، إلى القدوم إلى إيران والالتحاق بجامعاتها، لتسوق طهران نفسها على أنها منارة لحماية حقوق المرأة والاحتفاظ بحقها في التعليم، إلا أن هذه الأيام تشهد المدارس الإيرانية حملة ممنهجة لتسميم طالبات المدارس الإيرانية.
تجاوز عدد حالات التسمم المسجلة لدى وزارة الصحة حتى يومنا هذا أكثر من 900 مصابة، في خمس محافظات إيرانية، فيما تشير التوقعات إلى توسع رقعة الإصابات إلى محافظات أخرى، في حين ما زال الغموض يلف القضية التي تثير غضبا في البلاد، فيما تتهم المعارضة الإيرانية وقوف الحرس الثوري الإيراني خلف هذه العمليات، التي يقوم بها على غرار الأعمال التي تنفذها طالبان في أفغانستان بحق الطالبات الإفغانيات.
نقلت مئات الطالبات إلى المستشفيات بسبب مشكلات في الجهاز التنفسي، إضافة إلى الأعراض المصاحبة من غثيان ودوار وإرهاق، حيث سجلت حالة التسمم الأولى أواخر العام الماضي في مدينة قم، لتنقل سيارة أسعاف طالبة تبلغ من العمر 18 عاما، بعد ظهور علامات التسمم عليها، وتزايدت الأعداد بعد ذلك، لتطال محافظات إيرانية معروفة بولائها للنظام الإيراني.
المحافظات الإيرانية التي سجلت حالات التسمم هي همدان (غرب) وزنجان وأذربيجان الغربية (شمال غرب) وفارس (جنوب) وألبرز (شمال)، وهي مناطق ينشط فيها نفوذ الحرس الثوري، وسبق أن ذكرت أسماء هذه المحافظات بتعرضها لضربات مجهولة المصدر، لاستهداف مواقع عسكرية لتصنيع الطائرات المسيرة أو مستودعات لتخزين الأسلحة.
في كل مرة يلجأ النظام الإيراني إلى الغربال ليتوارى عن تحمل مسؤولية الجرائم، التي ينفذها بحق شعبه، حيث سارع الرئيس الإيراني القادم من خلفية متشددة، ومعروف عنه قربه من المرشد الأعلى علي خامنئي، إلى دعوة أجهزة الدولة الاستخباراتية والأمنية إلى "إفشال مؤامرة العدو الهادفة إلى بث الخوف واليأس بين السكان".
حالات التسمم المسجلة في إيران ناتجة عن تعرض الطالبات إلى استنشاق كميات من الغاز السام، وهو أحد الأسلحة البيولوجية المنتشرة في دول الاتحاد السوفياتي السابق، البارعة في صناعة الغازات السامة، التي تعد بأنها زهيدة الثمن وكبيرة المفعول في الضرر والأذية.
ردود الفعل الغربية كانت عبر جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، الذي قال إلى الصحافيين، "إن التقارير حول تسمم تلميذات مدارس في إيران مقلقة للغاية وإن العالم يحتاج لأن يعرف السبب"، كما أشارت وزارة الخارجية والتنمية البريطانية إلى أن ما يرد من إيران بـ"الأنباء المروعة حول تعرض فتيات للتسمم في المدرسة"، فيما نقلت في تغريدة عبر تويتر، دعوة وزير شؤون الشرق الأوسط لورد أحمد إلى إجراء تحقيق عاجل وشفاف فيما حدث.
الطموح العسكري الإيراني بامتلاك أسلحة محرمة دوليا، جعل ميليشياتها قادرة على تصنيع الأسلحة الممنوعة بأقل الإمكانات، فيما تحظى المجموعات العسكرية المنتدبة للقتال في سورية والعراق بعدم رقابة محلية فيما يخص صناعة الأسلحة، التي من السهل أن تكون في أيدي المتطرفين من أتباع النظام، المناهضين لتعليم المرأة، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، التي تدفع تجار السلاح لبيعه بثمن زهيد، في سبيل الحصول على الأموال.
وتعليقا على الأحداث، قال مسؤول في وزارة الصحة الصحة الإيرانية، "إن ما يجري بفعل بعض الأفراد، الذين يسعون إلى إغلاق كل المدارس، خصوصا مدارس الفتيات"، فيما عد هذا الموقف يتيما، إلا أن مسؤول آخر أكد "وقوف جهة متنفذة وراء تسميم الطالبات"، لتكشف هذه التسريبات عن أمرين الأول حجم الشرخ الكبير بين مؤسسات الدولة وبين عصابات المرشد الأعلى وكذلك سيطرة الحرس الثوري على الوضع الراهن في البلاد.
وأضاف المسؤول في وزارة الصحة، "المواد الكيماوية المستخدمة ليست عسكرية بل إنها متاحة للجمهور، ولا تحتاج التلميذات إلى أي علاج قوي ومن الضروري الحفاظ على الهدوء وضبط النفس"، وبعد تعرضه لتهديدات قال الطبيب في وقت لاحق إن تصريحه "أسيء تفسيره"، في إشارة إلى انقسامات داخل السلطة حول كيفية التعامل مع الجماهير الغاضبة بسبب عدم الكشف عن الجاني علانية.
النزعة العدائية ضد المرأة في إيران تزامنت مع عودة ملف الالتزام بالحجاب إلى الساحة الإيرانية، الذي جاء بعد فرض قانون الحجاب والعفة، من قبل مؤسسة الرئاسة الإيرانية، وبتوجيه مباشر من إبراهيم رئيسي، هذا القانون يعد قديما وبقي لأعوام طويلة في خزائن الدولة، إلا أنه وقبل عام تم فرضه كقانون رسمي في البلاد في تموز (يوليو) 2022، ويواجه كل مخالف له عقوبة مغلظة.
واجه نشطاء إيرانيون هذا القانون بإطلاق حملة لنزع غطاء الرأس، وتحديدا في اليوم الوطني للحجاب والعفة، وشاركت في الحملة نساء إيرانيات يرفضن الحجاب الإجباري، حيث قامت بعضهن بتصوير مقاطع فيديو لنزعهن أغطية رؤوسهن في مختلف الشوارع الإيرانية، ونشرنها على شبكات التواصل الاجتماعي في الداخل، وقنوات تابعة للمعارضة الإيرانية في الخارج.
كما انتشر (وسم) عم أنحاء إيران والعالم بعنوان لا لغطاء الرأس، حيث لاقت الحملة انتشارا واسعا، بينما أثارت ردود فعل متباينة في الداخل الإيراني بين مؤيدين ومعارضين لها، فيما شهدت شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل النقل والمدارس عديدا من المواجهات بين النساء المؤيدات والمعارضات للحملة.
سبق أن أثار موت الشابة الكردية الإيرانية مهسا آميني التي اعتقلتها دورية شرطة الأخلاق، غضبا كبيرا في البلاد، فالشابة التي كانت برفقة أخيها قرب محطة مترو أثناء رحلة عائلية للعاصمة طهران، انتهى بها المطاف ضحية لضربة قاتلة على الرأس، لينتج عن ذلك احتجاجات واسعة، تخللها هتافات مناهضة للنظام، وكذلك إحراق لصور المرشد الإيراني، لينتج عن ذلك فيما بعد إيقاف دوريات شرطة الأخلاق في إيران.
وبحسب ردود الأفعال لمعارضين إيرانيين وجهت أصابع الاتهام للأجهزة الأمنية الإيرانية، وعبرت مجموعة من المعرضين عن رافضهم أي فكرة تتعلق بالغموض في حوادث تسمم الطالبات، وأن الهدف من هذه الحملة الانتقامية الممنهجة معاقبة الإيرانيات لمشاركتهن في التظاهرات ضد النظام.

الأكثر قراءة