ضربة نوعية للفساد
تخيل ما ضبطته "نزاهة" بعد تحريات وتحقيقات في مقر سكن عمالة بنغالية! أكثر من 20 مليون ريال نقدا ومشغولات وسبائك ذهب ومركبات فاخرة، كلها من متحصلات المتاجرة بالتأشيرات، والله أعلم كم المبالغ التي تمكنت هذه العمالة من تحويلها خلال الأعوام الماضية.
كنا نسمع قبل أعوام أقاويل تتردد عن قدرة بعض العمالة البنغالية على التحكم بالتأشيرات الصادرة لعمالة في بلادها للعمل في السعودية، وأن بعض مكاتب الاستقدام هناك ـ أي في بنجلادش ـ لها سطوة هنا على سوق العمالة، لكنها كانت مجرد كلام يقال ولا يحتوي على أدلة يمكن البناء عليها أو تدفع إلى الالتفات لها بجدية، وكان من الشائع أيضا أن يستوقفك عامل يطلب منك استخراج تأشيرة لاستقدام أحد أفراد عائلته مع عدم حاجتك إليه مع استعداده دفع التكاليف، وهي مؤشر على واقع متخف إلى حين. تحريات هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة" ونتائج هذه التحريات والتحقيقات التي كشفها بشفافية بيان "نزاهة" الأخير، أثبت ضخامة حجم القضية والفساد المتخفي وراءها، وأن ما كان يتردد كان في الواقع حقيقة يقف وراءها استغلال الوظيفة من قبل اثنين من موظفي السفارة السعودية في بنجلادش قاما بالتواطؤ مع عدد من العمالة البنغالية المقيمة ـ أحدهم يملك مكتب استقدام في بلاده ـ في إصدار تأشيرات لقاء حصولهم على أموال تقدر بـ54 مليون ريال على دفعات. لا نقول إلا الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم وفضلنا على كثير من خلقه.
هذه أضخم قضية فساد متاجرة بالتأشيرات يتم ضبطها وإعلانها حسب علمي، ولا شك أن وراء عملية الضبط والقبض جهود مكثفة وعمل دؤوب من قبل رجال نزاهة يستحق الدعم والتقدير والدعاء بالتوفيق، وهذه القضية بالذات هي ضربة نوعية لمكافحة الفساد خصوصا المتاجرة بالتأشيرات.
وفي دائرة قطاع وتجارة الاستقدام مكاتب وشركات ووسطاء، كثير مما يقال سواء عند تبرير التأخير في استقدام العمالة من هذه الدولة أو تلك، أو في ارتفاع أسعارها كما أن تعدد الأطراف في هذا النشاط وتغير الإجراءات وتنوعها مع ارتفاع الطلب، توفر بيئة مناسبة للفساد، وكان من المؤمل مع التوسع في تراخيص شركات ومكاتب للاستقدام أو "للموارد البشرية" أن يتم التقليل من حاجة الأفراد خصوصا إلى الاستقدام المباشر لكن ارتفاع أسعار هذه الشركات وحرصها على الربح السريع وتردي خدمات ما بعد التعاقد، أثبت أن التوسع في التراخيص لم يحقق ما كان يتأمله المواطن.