العداء العرقي سلاح أساسي للفوز بالانتخابات الأمريكية
على مدار الأعوام القليلة الأخيرة، شـن الجمهوريون في الولايات المتحدة حربا متزايدة الحدة ضد نهج أكاديمي في دراسة الـعـرق في أمريكا اشتهر بمسمى "النظرية الـعرقية النقدية". وهم يخوضون هذه المعركة ليس لأنهم على حق، أو حتى لأنهم يعتقدون أنهم على حق، بحسب جون مارك هانسن أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو. بل لأنهم اكتشفوا أن الحرب الثقافية تؤتي ثمارها عندما يتعلق الأمر بالفوز بالانتخابات في الولايات المتحدة. من المحزن أن نقول إن العداء الـعـرقي يظل يشكل سلاحا أساسيا في ترسانة المقاتلين في الحروب الثقافية.
الواقع أن جلين يونجكين حاكم ولاية فيرجينيا نـظـم القسم الأعظم من حملته الانتخابية في 2021 حول إثارة حالة من الذعر المناهض للنظرية العـرقية النقدية، التي امتطاها إلى النصر. على نحو مماثل، في الآونة الأخيرة تـعـمـد رون ديسانتيس حاكم ولاية فلوريدا، وهو مرشح رئاسي محتمل، افتعال مشاجرة مع مجلس الجامعات حول إدماجها المزعوم للنظرية العـرقية النقدية فيمنهجها الجديد للتنسيق المتقدم (على مستوى الكليات) في الدراسات الأمريكية الإفريقية. وعلى مدار العامين الماضيين، أقـرت 18 ولاية يسيطر عليها الحزب الجمهوري قوانين تحظر أو تقيد تدريسها.
لكن قادة الحملة المصطنعة إلى حد كبير ضد النظرية العـرقية النقدية يتبنون طريقة غريبة لإظهار استنكارهم. عند كل منعطف، كانوا حريصين على إدارة السيناريو الذي صادفه دارسو النظرية العـرقية النقدية على نحو متكرر في التاريخ الأمريكي، مقدمين بذلك مزيدا من الأدلة التي تدعم النظرية التي يصرون على وجوب رفضها.
كان أحد مؤسسي النظرية العـرقية النقدية ديريك أ. بـل، المسؤول السابق في وزارة العدل، والمحامي في الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين، وأول أستاذ أسود مثبت في كلية الحقوق في جامعة هارفارد. في كتابه الذي سجل القضايا المرتبطة بالقانون الدستوري بعنوان "الـعـرق، والعنصرية، والقانون الأمريكي"، استند بـل إلى السجل التاريخي الأمريكي لإثبات عـدة نقاط حول النظام القانوني في الولايات المتحدة.
أولا، زعم بل إن القانون الأمريكي كان مشغولا بمسألة الـعـرق منذ ما قبل تأسيس الولايات المتحدة. لكن رغم أن تركيز الساسة الأمريكيين المفرط على الـعـرق ليس بالأمر الجديد، فإن ما يجعل الحملة الحالية ضد النظرية العـرقية النقدية فريدة من نوعها هو محاولة تجريم الصدمة المزعومة التي يعانيها الأطفال من ذوي البشرة البيضاء عندما يواجهون الظلم الذي مورس ضد الأمريكيين السود وغيرهم من الأقليات.
تتلخص النقطة الأساسية الثانية التي أوردها بـل في أن مفهوم بياض البشرة أنـشئ على مدى التاريخ الأمريكي من خلال الأعراف الاجتماعية، واستنان القوانين، والتفاسير القانونية. ويـعـد ديسانتيس ذاته مثالا واضحا على ذلك. كان أسلافه مهاجرين من جنوب إيطاليا، وكانوا وقت وصولهم في أوائل القرن الـ20 يـنـظـر إليهم من جانب كثيرين من الأمريكيين من ذوي البشرة البيضاء المولودين في أمريكا على أنهم ينتمون إلى "عـرق" منفصل وأقل شأنا. في 1924، أقـر الكونجرس الأمريكي قانون الأصول الوطنية على وجه التحديد لحماية "العـرق الأمريكي" من "الانغماس في مزيد من نوعهم"، على حد تعبير أحد أعضاء مجلس النواب في ذلك الوقت. لكن بحلول وقت إلغاء هذا القانون في 1965، أصبح الأمريكيون من أصول إيطالية مثل عائلة ديسانتيس مقبولين بالفعل على أنهم من أصحاب البشرة البيضاء.
أخيرا، زعم بل إن دستور الولايات المتحدة ومجموع قوانينها يعكسان المصالح المادية لأصحاب البشرة البيضاء، الذين كانوا يشكلون الأغلبية منذ الاستقلال. ولم يحدث أي تقدم نحو المساواة العـرقية ـ توسيع نطاق الحقوق، والامتيازات، وفوائد المواطنة الأمريكية الكاملة لتشمل الأمريكيين من أصول إفريقية وغيرهم من "الأقليات" الـعـرقية ـ إلا عندما وجد أصحاب البشرة البيضاء أن ذلك يصب في مصلحتهم، وهو الظرف الذي أسماه بـل "تقارب المصالح".
على سبيل المثال، استشهد بـل بإعلان تحرير العبيد، الذي أصدره الرئيس أبراهام لنكولن لأسباب عسكرية وليست أخلاقية، ودعم الرئيس دوايت أيزنهاور لإلغاء الفصل العنصري في المدارس، الذي عالج عائقا أمريكيا في حرب الدعاية ضد الاتحاد السوفياتي. وكما سارع بـل أيضا إلى التنويه، فإن قسما كبيرا من هذا "التقدم" كان مؤقتا، وكثيرا ما أبـطـل أثناء فترات "الـردة" الـعـرقية التي تتخلل تاريخ الولايات المتحدة.
يدعم تسلسل الأحداث التي أفضت إلى اللحظة الحالية في العلاقات الـعـرقية في الولايات المتحدة الحجج التي ساقها بـل. في 2008، رفع انتخاب باراك أوباما الآمال، خاصة بين الأمريكيين، بأن أمريكا تجاوزت أخيرا ماضيها العنصري. الواقع أن بـل، الذي توفي في منتصف فترة ولاية أوباما الأولى، كان ليبدي قدرا أكبر من التشكك ـ وعن حق. فقد تبين أن وجود أسرة سوداء في البيت الأبيض، إلى جانب سـخـط المحافظين على "الآخذين" والخوف من نشوء أغلبية غير بيضاء، أفضى إلى ردة عـرقية أخرى، مهدت الطريق لصعود دونالد ترمب، ويونجكين، وديسانتيس.
إذا كان الجمهوريون يعارضون النظرية العـرقية النقدية حقا، فإنهم ما كانوا ليجتهدوا في تفعيلها. كان المفترض أن يحاولوا تفنيدها ودحضها بالاستعانة بحجج معقولة وأدلة جديرة بالثقة. الحق أن الجهود التي يبذلونها لترجمة القلق العنصري إلى نجاح انتخابي لا تثبت سوى سوء نياتهم الـفـكرية.
ما يدعو إلى التفاؤل أن الولايات المتحدة لديها مؤسسات قوية تعتمد على الحجج والأدلة وقادرة على الرد. لكن ينبغي لهذه المؤسسات ألا تتخلى عن متاريسها. ويجب على مجلس الجامعات، الذي تراجع في مواجهة هجوم ديسانتيس وأفرغ منهج الدراسات الأمريكية الإفريقية من مضمونه، أن يعمل على إعادة سريان النسخة الأصلية منه والدفاع عنه كممثل لأفضل منحة دراسية تتناول هذا الموضوع.
علاوة على ذلك، يتعين على وكالات الاعتماد أن ترفض الاعتراف بأي كلية أو جامعة تمنع أعضاء هيئة التدريس من تدريس أي مادة أو تحاول إملاء كيفية تدريس موضوعات بعينها عليهم. إن النزاهة الفـكرية من غير الممكن أن تتعايش مع التلقين السياسي. ويجب على المؤسسات التعليمية في أمريكا أن تنتصر لجانب الحق.