أزمة وادي السيليكون .. قصة انهيار الـ 48 ساعة
يراقب الاقتصاديون في العالم الأخبار المتواترة عن القطاع المصرفي في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يعيش فترة لا يحسد عليها بعد إعلان ثلاثة بنوك أمريكية إفلاسها خلال الفترة الماضية، وتكمن خطورة الوضع الاقتصادي في كبر أسماء البنوك المفلسة، ومن أبرزها بنك "وادي السيليكون".
يعد بنك سيليكون فالي أول أكبر انهيار على صعيد البنوك الأمريكية، بعد الأزمة المالية العالمية، التي ضربت الاقتصاد الأمريكي في 2008، وأدخلته مرحلة الركود، التي شهدت حصادا أسود للاقتصاد العالمي، مع إفلاس بنك "ليمان براذرز"، الذي كان حينها رابع أكبر البنوك الأمريكية، لتتوالى الإفلاسات بعدها.
مخاوف أمريكية وعالمية تثار بين الحين والآخر يسودها القلق والتحفظ، بأن الأزمة هل ستكرر ما حدث في سيناريو 2008، في الوقت الذي يواجه فيه العالم رغبة دولية متصاعدة بمنافسة واشنطن النفوذ العالمي، خصوصا في ظل التقدم الصيني في مختلف المجالات، وعودة الدب الروسي إلى الواجهة، من خلال بوابة الحرب في أوكرانيا، في ظل انحسار النفوذ الغربي وضعفه في القارة العجوز.
وتحسبا لأي تبعات أخرى، طمأنت السلطات الأمريكية العملاء المودعين في البنك المفلس أخيرا، بأنهم سيتمكنون من الوصول إلى جميع أموالهم، ولن يتحملوا أي خسائر متعلقة بانهيار البنك ماليا، ومن المرجح أن تتوجه إدارة البنك إلى استخدام الأصول المتبقية لتغطية تكاليف سداد أموال المودعين، وتصفية ذمتها المالية، حتى لا تواجه القضاء الأمريكي، نظرا لأن الأموال هي أموال دافعي الضرائب في أمريكا.
ولتجنب السيناريو الكارثي، ستقدم وزارة الخزانة الأمريكية حزمة مالية بنحو 25 مليار دولار من صندوق استقرار الصرف على سبيل الدعم لأي خسائر محتملة من برنامج التمويل، كما ستقف السلطات الأمريكية في صف الحياد ولن تتدخل في إنقاذ بنوك أو مؤسسات عبر ضخ أموال عامة بشكل مباشر، لكنها أكدت في المقابل أنها ستحمي جميع الودائع الخاصة بها.
من جهة أخرى، أعلن البنك الفيدرالي الأمريكي، عزمه تقديم قروض خاصة في البنوك، لمواجهة أي أزمة محتملة، فيما يتوقع أن تصل المدة إلى نحو عام، فيما تظهر توجهات "الفيدرالي" أن القروض لن تكون حكرا على البنوك، إنما ستكون متاحة لجمعيات الادخار والاتحادات الائتمانية والمؤسسات الأخرى، لمساعدتها، وحثها على التمسك بسندات الخزينة، التي قد تكبدها خسائر كبيرة، في حال بيعها، إضافة إلى تجنيبها أزمة سيولة كما حدث مع بنك وادي السيليكون.
الأزمة التي أصابت بنكا يخدم الشركات التكنولوجية الناشئة، سيترتب عليها توجه جديد للإدارة الأمريكية لوضع ضوابط وقيود جديدة على الاستثمار في الأموال، خاصة فيما يتعلق بقطاع التكنولوجيا وقطاع العملات المشفرة، حيث أبدى كثير من الجهات المالية مخاوفه من قطاع العملات المشفرة.
مسببات الانهيار تمثلت في عدد من النقاط، وهي أن بنك سيليكون فالي يعمل بطريقة مختلفة عن البنوك التقليدية، فـ"سيليكون فالي" قائم فقط على قطاع الشركات التكنولوجية الناشئة، التي تعثر كثير منها أمام الأزمات المالية التي تعرضت لها، خاصة مع عزوف المستثمرين عن ضخ الأموال فيها، وهو ما انعكس على البنك بالتبعية.
وكذلك أثر رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائده عن مستوياتها القياسية المنخفضة في القرارات الاستثمارية للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، التي تعد العميل الأكبر والأهم لـ"سيليكون فالي"، حيث اتجهت هذه الشركات إلى العزوف عن المخاطرة والاتجاه نحو الاستثمارات الآمنة، خاصة مع ارتفاع قيمة القروض.
فيما أدى اعتماد البنك المفلس على الاحتفاظ بنسبة صغيرة لعقود طويلة من الودائع النقدية، إلى فقدان رأس المال النقدي، بينما تركزت باقي الودائع في الاستثمارات في السندات الحكومية طويله الأجل مدة استحقاق 30 عاما، وسندات الرهن العقاري، وترتبط السندات طويلة الأجل بعلاقة عكسية مع سعر الفائدة.
قصة الانهيار كانت خلال فترة زمنية قياسية لم تتجاوز 48 ساعة، وكان ذلك عقب إعلان البنك إصدار 2.25 مليار دولار من الأسهم لتعزيز قاعدة البنك الرأسمالية بعد الخسارة الكبيرة التي منيت بها محفظته الاستثمارية، ما هوى بأسهم البنك بنحو 60 في المائة، من تعاملات نهاية الأسبوع، وانخفضت سنداته إلى مستويات قياسية، وأدى ذلك إلى موجة انخفاضات ضربت أسهم قطاع البنوك في الولايات المتحدة في التعاملات، قبل أن يتم تعليق تداولها.
هذه الأحداث دفعت المودعين إلى سحب أموالهم بشكل جماعي خلال ساعات قليلة، ما أدى إلى تسارع الانهيار بقوة، وعليه جاء قرار الجهات المنظمة للخدمات المصرفية في كاليفورنيا بوقف التداول في أسهمه، وحجز ودائع عملائه، وصدرت تقارير تفيد بأن البنك غير قادر على جمع كل الأموال التي يحتاج إليها، وبات يبحث عن مشتر، وأعقب ذلك إيقاف أسهم عدد من البنوك منها "فيرست بابليك" و"باك ويست بانكورب" و"سيجنتشر".
وصل بنك سيليكون فالي إلى حالة إفلاس، ويعني إفلاس البنوك عدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها، حينما تخسر كثيرا من استثماراتها، أو تقع في أزمه سيولة وتكون غير قادرة على تلبية أموال المودعين، كما حدث مع "سيليكون فالي"، ولقد تعددت أسباب فشل إدارة بنك "سيليكون فالي"، بارتكاب مجموعة من الأخطاء الفادحة.
لقي انهيار بنك سيليكون فالي ردود فعل عالمية، حيث بادرت الحكومة البريطانية بالحد من أي تداعيات ناجمة عن إغلاق وحدة البنك في المملكة المتحدة، كما ثارت مخاوف في الدول التي تعتمد على شركات التكنولوجيا وتتعامل مع البنك المفلس، إضافة إلى انخفاض الدولار في التعاملات عقب انتشار الخبر مقابل عملات أخرى.
بدوره، قام بنك "إتش إس بي سي" HSBC بشراء أسهم بنك "وادي السيليكون" لتوفير شريان حياة لشركات التكنولوجيا التي كانت تخشى فقدان الوصول إلى ودائعها، بعد هبوط سعر السهم العنيف ليصل إلى جنيه استرليني واحد فقط، يقينا من مجلس إدارة البنك بأن أزمة "سيليكون فالي" في الأساس حدثت لسوء الإدارة، وأن هذه الأزمة ستتلاشى، وسيعاود سعر السهم الارتفاع مرة أخرى، لتكون صفقة رابحة.