أكاديمية الابتكار

تعد الشركات والمؤسسات على مختلف مستوياتها الكبيرة منها أو الناشئة والمراكز البحثية والهيئات والجامعات والدور التعليمية على مختلف تدرجها، من أهم الأماكن التي يتم فيها تحفيز الابتكار والتحدي، ويتم من خلالها توفير الدعم اللازم لتحويل الأفكار الإبداعية الابتكارية إلى مشاريع منتجة ذات خدمات فعلية فاعلة ذات قيمة وأثر في جميع المجالات.

ولا شك أن الدول بحكوماتها ومنظماتها تلعب دورا مهما وكبيرا في تشجيع ذلك أيضا من خلال توفير المبادرات والبرامج والدعوم اللوجستية والتقنية اللازمة لتلك المشاريع الإبداعية، والمشاريع الناشئة والتكنولوجية المختلفة، إلا أن الابتكار عموما يواجه عديدا من التحديات التي يجب تجاوزها. من هذه التحديات، التحدي التكنولوجي، كصعوبة تطوير تقنيات مناسبة لإنتاج منتجات أو خدمات جديدة، والتحدي القانوني، المتمثل في صعوبة حماية حقوق الملكية الفكرية والابتكارية، والتحدي التسويقي، الذي يتضمن تحدي تسويق المنتجات الجديدة وتحديد المستفيد المناسب لها، والتحدي الثقافي والتعليمي، الذي يكمن في صعوبة تغيير العادات والتقاليد والتفكير الرتب القديم وغيرها.

ولعلي ذكرت في مقال سابق بعنوان "الابتكار وتحدياته الحالية"، أن هناك تحديا كبيرا في وجود كثير من المواهب الإبداعية والابتكارية سواء على مستوى الطلاب أو المبتعثين أو الخريجين أو حتى أعضاء هيئات التدريس، وضرورة تهيئة البيئة الملائمة لهم والاستفادة منهم بشكل كبير في تنمية هذا البلد وازدهاره، وفي هذا المقال سأتحدث عن دور وجود أكاديميات للابتكار في معالجة وحل هذا التحدي، مع ذكر بعض الأمثلة الدولية لذلك.
يوجد عديد من الأكاديميات والمعاهد والمؤسسات التي تركز على الابتكار وتهدف إلى تعزيزه وتطويره وتطبيقه على أرض الواقع والاستفادة منه كمخرجات فاعلة تفيد في شتى المناحي الحياتية، وسأسرد بعض الأمثلة على بعض منها، التي أرى أن لها أثرا واضحا في منظومة الابتكار وتجب الاستفادة من تجاربها في هذا السياق.

من هذه الأمثلة، أكاديمية الابتكار التابعة لشركة مايكروسوفت Microsoft Innovation Academy، وهي تعمل على توفير التدريب والتعليم في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، ولديها عديد من البرامج الأكاديمية للتدريب الفني والتدريب المهني وورش العمل والدورات التدريبية العملية في مجالات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة وتقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، حيث تتيح هذه الأكاديمية للطلاب والمهنيين الفرصة لتطوير مهاراتهم الحالية وتعلم مهارات جديدة في مجالات التكنولوجيا والمعلومات، وذلك من خلال اعتمادها على شبكة ضخمة من المدربين والخبراء والشركاء في عدة مجالات مختلفة لتوفير التدريب والتعليم الابتكاري المتخصص، إضافة إلى أن خريج هذه الأكاديمية يتمتع بمزايا عديدة، إضافة إلى الاستفادة من الخبرات العلمية والعملية، حصوله على شهادات معتمدة من "مايكروسوفت"، وانضمامه إلى قاعدة البيانات الضخمة للمتخصصين والخبراء والمهنيين في التكنولوجيا والابتكار.

ومن الأمثلة كذلك معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة، ويعد هذا المعهد واحدا من أبرز معاهد الأبحاث والتطوير الأكاديمية في مجال العلوم والهندسة والتكنولوجيا، أسس في 1861، ولديه أكثر من ألف عضو هيئة تدريس وأكثر من 11 ألف طالب، ويتميز ببيئة البحث والتطوير التي تركز على التكنولوجيا والابتكار، من خلال تقديمه عديدا من البرامج التعليمية والبحثية المتميزة في مجالات مهمة، ولها أثر واضح في تطبيقها في المجالات المجتمعية أو الدفاعية، مثل الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب والروبوتات والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة والهندسة الميكانيكية والإلكترونية والكيميائية، إضافة إلى تأسيسه عديدا من الشركات والمشاريع البحثية الناجحة عن طريق الطلاب والخريجين، وعن طريق التعاون والشراكات الدولية مع مختلف الدول.

ومن الأمثلة كذلك معهد جورجيا للتكنولوجيا، في مدينة أتلانتا في ولاية جورجيا في الولايات المتحدة، ويعد أحد أفضل المعاهد وأشهرها في مجال الهندسة والتكنولوجيا، ويتميز بتركيزه القوي على البحث والابتكار، حيث يضم مراكز ومختبرات متخصصة في عدة مجالات، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتصميم والهندسة الكيميائية والعلوم الحيوية والمواد وغيرها، حيث يتم العمل هناك على توجيه العملية البحثية الابتكارات التطويرية "للطلاب وأعضاء هيئة التدريس"، لتطوير تقنيات وحلول جديدة للتحديات ولتحسين جودة الحياة، من خلال تقديم برامج تعليمية عالية الجودة وتوفير فرص البحث والابتكار للطلاب والباحثين في أنحاء العالم.

ومن الأمثلة أيضا، معهد سيليكون فالي، وهو مركز للتدريب والتعليم والابتكار في وادي السيليكون في كاليفورنيا، ويعد مركزا للتكنولوجيا والابتكار في العالم.
وتشهد السعودية حاليا تحولا نحو الابتكار والتحديث التكنولوجي والتقني، وذلك ضمن رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد مبتكر ومتطور، وتعمل الحكومة على دعم البحث والتطوير والابتكار وتشجيع الاستثمار في هذا المجال عن طريق عدد من المبادرات والبرامج والمشاريع، التي تهدف إلى تعزيز ثقافة الابتكار وتطوير الكفاءات الفنية في هذا المجال، ومن ذلك: مركز الابتكار وريادة الأعمال في جامعة الملك سعود، ومركز الابتكار وريادة الأعمال في جامعة الملك عبدالعزيز، ومركز التحول الرقمي.

وهناك أيضا المبادرة الوطنية للابتكار وريادة الأعمال «مسك»، وهي مبادرة شبابية تهدف إلى تمكين الشباب من مهارات الابتكار وتشجيعهم على تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة، ومن المشاريع مشروع مدينة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، وهي مدينة علمية تركز على البحث والتطوير في مجالات الطاقة النووية والمتجددة، وغير ذلك كثير.
الجدير بالذكر، وضمن البرامج التأهيلية لتطوير وتحفيـز المواهب الوطنية التي تعقدها أكاديمية مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، قدمت ورشة عمل حول موضوع "الابتكار من الفكرة إلى السوق"، حضرها لا يقل عن 400 شخص من أبنائنا وبناتنا الطلاب ومن المهتمين بموضوع الابتكار، ولمست الحرص الشديد منهم في تحقيق مزيد من التقدم والإبداع، وشعرت بالتحديات التي يواجهها كثير منهم، الأمر الذي يتطلب وجود مرجعية لاحتواء هؤلاء المبدعين المبتكرين وتوجيههم التوجيه الصحيح في ظل الخطط الاستراتيجية الوطنية.

وأرى في ظل الإطلاق المستمر للمبادرات والبرامج الهادفة إلى التطوير ودعم الابتكار وتحفيزه، ضرورة وجود أكاديميات للابتكار على مستوى مناطق المملكة، إما أن تكون تحت إشراف وزارة التعليم وإما مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، ذلك كله سيكون له الأثر -بإذن الله- في وجود استثمارات ابتكارية وطنية منافسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي