النظام العالمي ومصير العولمة «2 من 2»

فشلت العولمة المفرطة في النهاية، التي كانت في تقهقر منذ أزمة 2008 المالية، لأنها لم تتمكن من التغلب على التناقضات الكامنة فيها. وفي نهاية المطاف، لم يكن من المرجح أن تتمكن الحكومات التي أعطت الشركات القدرة على كتابة السرد من إقناع مؤلفي هذا السرد بدعم الأجندات الاجتماعية والبيئية المحلية.
بينما يتخلى العالم عن العولمة المفرطة الآن، لا يزال من غير المؤكد على الإطلاق ماذا قد يحل محلها. يؤكد أحد أطر السياسة الاقتصادية الناشئة، الذي سميته "النزعة الإنتاجية"، الدور الذي تضطلع به الحكومات في معالجة التفاوت بين الناس، والتحول إلى الطاقة النظيفة. من خلال وضع هذه الأهداف المهملة في الصدارة، تعيد النزعة الإنتاجية التأكيد على الأولويات السياسية المحلية دون أن تكون معادية للاقتصاد العالمي المفتوح. وأظهر نظام بريتون وودز أن السياسات التي تدعم الاقتصادات الوطنية المتماسكة تساعد أيضا على تعزيز التجارة الدولية وتدفقات رأس المال طويلة الأجل.
هناك نموذج ناشئ آخر قد يسمى الواقعية المفرطة، على طريقة المدرسة "الواقعية" للعلاقات الدولية. يؤكد هذا السرد الخصومة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين ويوظف منطقا محصلته صفرية في إدارة العلاقات الاقتصادية بين القوى الكبرى. لا ينظر إطار الواقعية المفرطة إلى الاتكالية الاقتصادية المتبادلة كمصدر لمكسب متبادل بل يعدها سلاحا يمكن استخدامه لتعجيز الخصوم، كما فعلت الولايات المتحدة عندما استخدمت ضوابط التصدير لمنع الشركات الصينية من الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة والمعدات اللازمة لتصنيعها.
سيعتمد مسار الاقتصاد العالمي في المستقبل على كيفية عمل هذين الإطارين المستقلين بذاتيهما ومقابل بعضهما بعضا. نظرا إلى التداخل بين الاثنين عندما يتعلق الأمر بالتجارة، فستتبنى الحكومات في الأرجح نهجا أكثر ميلا إلى الحماية خلال الأعوام القليلة المقبلة، وتتبنى على نحو متزايد إعادة توطين الصناعات والخدمات، فضلا عن سياسات صناعية أخرى تروج للتصنيع المتقدم. من المرجح أيضا أن تتبنى الحكومات سياسات خضراء تحابي المنتجات المحلية، مثل قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، أو تقيم الحواجز على الحدود، كما يفعل الاتحاد الأوروبي مثل هذه السياسات من شأنها أن تخدم الأجندات الداخلية وأجندات السياسة الخارجية.
لكن في نهاية المطاف، ستنحي الاعتبارات الجيوسياسية في الأرجح كل الاعتبارات الأخرى جانبا، بما يمكن سرد الواقعية المفرطة من فرض هيمنته. ليس من الواضح، على سبيل المثال، ما إذا كان التركيز على التصنيع المتقدم الذي يميز الانبعاث الجديد للسياسة الصناعية حاليا ليساعد بدرجة كبيرة على الحد من اتساع فجوات التفاوت داخل الدول، خاصة أن الوظائف الجيدة في المستقبل من المرجح أن تأتي من الصناعات الخدمية التي لا تؤثر بدرجة كبيرة في المنافسة مع الصين ولا تتأثر بها.
إن تمكين مؤسسات الأمن الوطني في القوى الكبرى على مستوى العالم من اختطاف السرد الاقتصادي من شأنه أن يعرض الاستقرار العالمي إلى الخطر. وقد تكون النتيجة أن نحيا في عالم متزايد الخطورة حيث يتسبب التهديد المستمر المتمثل في احتمال نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة والصين في إجبار الدول الأصغر حجما على الانحياز إلى جانب أو آخر في معركة لا تعزز مصالحها الخاصة.
لدينا الآن فرصة فريدة سانحة لتصحيح أخطاء العولمة المفرطة وإنشاء نظام دولي أفضل يقوم على رؤية الرخاء المشترك. ولا يجوز لنا أن نسمح للقوى العظمى بإهدار هذه الفرصة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي